قوله: "ونمنعكم" الجمهور على جزمه عطفا على ما قبله. وقرأ ابن [ ص: 124 ] أبي عبلة بنصب العين وهي ظاهرة، فإنه على إضمار "أن" بعد الواو المقتضية للجمع في جواب الاستفهام، كقول الحطيئة:
1666 - ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء
وعبر بعبارة الكوفيين، فقال: بفتح العين على الصرف، ويعنون بالصرف: عدم تشريك الفعل مع ما قبله في الإعراب. وقرأ ابن عطية "ومنعناكم" فعلا ماضيا، وهي ظاهرة أيضا؛ لأنه حمل على المعنى، فإن معنى أبي: "ألم نستحوذ": إنا قد استحوذنا؛ لأن الاستفهام إذا دخل على نفي قرره، ومثله: ألم نشرح لك صدرك ووضعنا ، لما كان "ألم نشرح" في معنى "قد شرحنا"، عطف عليه "ووضعنا".
ونستحوذ واستحوذ مما شذ قياسا وفصح استعمالا؛ لأنه من حقه نقل حركة حرف علته إلى الساكن قبلها، وقلبها ألفا كاستقام واستبان وبابه، وقد قدمت تحقيق هذا في قوله: "نستعين" في الفاتحة، وقد شذت معه ألفاظ أخر، نحو: أغميت، وأغيلت المرأة، وأخيلت السماء، قصرها النحويون على السماع، وقاسها أبو زيد. والاستحواذ: التغلب على الشيء والاستيلاء عليه. ومنه: استحوذ عليهم الشيطان . ويقال: "حاذ وأحاذ" بمعنى، والمصدر الحوذ. [ ص: 125 ]
وقوله: "يحكم بينكم" قيل: هنا معطوف محذوف؛ أي: وبينهم، كقوله:
1667 - فما كان بين الخير لو جاء سالما أبو حجر إلا ليال قلائل
أي: وبيني، والظاهر أنه لا يحتاج لذلك؛ لأن الخطاب في "بينكم" شامل للجميع، والمراد المخاطبون والغائبون، وإنما غلب الخطاب لما عرفت من لغة العرب. قوله: "على المؤمنين" يجوز أن يتعلق بالجعل، ويجوز أن يتعلق بمحذوف؛ لأنه في الأصل صفة لـ "سبيلا"، فلما قدم عليه انتصب حالا عنه.