1661 - ومتى واغل ينبهم يحيو ه وتعطف عليه كأس الساقي [ ص: 108 ]
و "من بعلها" يجوز أن يتعلق بـ "خافت" وهو الظاهر، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "نشوزا"؛ إذ هو الأصل صفة نكرة، فلما قدم عليها تعذر جعله صفة، فنصب حالا. و "فلا" جواب الشرط.
قوله: "أن يصلحا" قرأ الكوفيون: "يصلحا" من أصلح، وباقي السبعة: "يصالحا" بتشديد الصاد بعدها ألف، وقرأ عثمان البتي والجحدري : "يصلحا" بتشديد الصاد من غير ألف، وعبيدة السلماني: "يصالحا" بضم الياء وتخفيف الصاد وبعدها ألف من المفاعلة، وابن مسعود "أن اصالحا". فأما قراءة الكوفيين فواضحة، وقراءة باقي السبعة أصلها: "يتصالحا"، فأريد الإدغام تخفيفا، فأبدلت التاء صادا وأدغمت، وأما قراءة عثمان فأصلها: "يصطلحا"، فخفف بإبدال الطاء المبدلة من تاء الافتعال صادا وإدغامهما فيما بعدها. وقال والأعمش: وأصله: "يصتلحا"، فأبدلت التاء صادا وأدغمت فيها الأولى، وهذا ليس بجيد؛ لأن تاء الافتعال يجب قلبها طاء بعد الأحرف الأربعة كما تقدم تحقيقه في البقرة، فلا حاجة إلى تقديرها تاء؛ لأنه لو لفظ بالفعل مظهرا، لم يلفظ فيه بالتاء إلا بيانا لأصله. وأما قراءة أبو البقاء: عبيدة فواضحة؛ لأنها من المصالحة. وأما قراءة: "يصطلحا" فأوضح. ولم يختلف في "صلحا" مع اختلافهم في فعله.
وفي نصبه أوجه: فإنه على قراءة الكوفيين يحتمل أن يكون مصدرا، [ ص: 109 ] وناصبه: إما الفعل المتقدم وهو مصدر على حذف الزوائد، وبعضهم يعبر عنه بأنه اسم مصدر كالعطاء والنبات، وإما فعل مقدر؛ أي: فيصلح حالهما صلحا. وفي المفعول على هذين التقديرين وجهان، أحدهما: أنه "بينهما" اتسع في الظرف، فجعل مفعولا به. والثاني: أنه محذوف و "بينهما" ظرف أو حال من "صلحا"، فإنه صفة له في الأصل. ويحتمل أن يكون نصب "صلحا" على المفعول به إن جعلته اسما للشيء المصطلح عليه، كالعطاء بمعنى المعطى، والنبات بمعنى المنبت. وأما على بقية القراءات، فيجوز أن يكون مصدرا على أحد التقديرين المتقدمين، أعني: كونه اسم المصدر، أو كونه على حذف الزوائد، فيكون واقعا موقع "تصالحا، أو اصطلاحا، أو مصالحة"، حسب القراءات المتقدمة، ويجوز أن يكون منصوبا على إسقاط حرف الجر؛ أي: بصلح؛ أي: بشيء يقع بسبب المصالحة، إذا جعلناه اسما للشيء المصطلح عليه. والحاصل أنه من بقية القراءات ينتفي عنه وجه المفعول به المذكور في قراءة الكوفيين، وتبقى الأوجه الباقية جائزة في سائر القراءات.
قوله: "والصلح خير" مبتدأ وخبر، وهذه الجملة قال فيها وفي التي بعدها: إنهما اعتراض. ولم يبين ذلك، وكأنه يريد أن قوله: الزمخشري "وإن يتفرقا" معطوف على قوله: "فلا جناح"، فجاءت الجملتان بينهما اعتراضا، هكذا قال الشيخ، وفيه نظر، فإن بعدهما جملا أخر، فكان ينبغي أن يقول في الجميع: إنها اعتراض، ولا يخص: الزمخشري "والصلح خير"، "وأحضرت الأنفس" بذلك، وإنما يريد بذلك الاعتراض بين قوله: الزمخشري "وإن امرأة"، وقوله: "وإن تحسنوا"؛ فإنهما شرطان متعاطفان، ويدل عليه تفسيره [ ص: 110 ] له بما يفيد هذا المعنى، فإنه قال: وإن تحسنوا بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن، وتتقوا النشوز والإعراض. انتهى. والألف واللام في "الصلح" يجوز أن تكون للجنس، وأن تكون للعهد لتقدم ذكره، نحو: فعصى فرعون الرسول . و "خير" يحتمل أن تكون للتفضيل على بابها، والمفضل عليه محذوف، فقيل: تقديره: من النشوز والإعراض، وقيل: خير من الفرقة، والتقدير الأول أولى للدلالة اللفظية، ويحتمل أن تكون صفة مجردة؛ أي: والصلح خير من الخيور، كما أن الخصومة شر من الشرور.
قوله: وأحضرت الأنفس الشح : "حضر" يتعدى إلى مفعول، واكتسب بالهمزة مفعولا ثانيا، فلما بني للمفعول قام أحدهما مقام الفاعل فانتصب الآخر. والقائم مقام الفاعل هنا يحتمل وجهين، أظهرهما - وهو المشهور من مذاهب النحاة -: أنه الأول، وهو "الأنفس"، فإنه الفاعل في الأصل؛ إذ الأصل: حضرت الأنفس الشح. والثاني: أنه المفعول الثاني، والأصل: وحضر الشح الأنفس، ثم أحضر الله الشح الأنفس؛ فلما بني الفعل للمفعول أقيم الثاني - وهو الأنفس - مقام الفاعل، فأخر الأول وبقي منصوبا، وعلى هذا يجوز أن يقال: أعطي درهم زيدا، وكسي جبة عمرا، والعكس هو المشهور كما تقدم، وكلام يحتمل كون الثاني هو القائم مقام الفاعل، فإنه قال: ومعنى إحضار الأنفس الشح: أن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا ينفك، يعني: أنها مطبوعة عليه، فأسند الحضور إلى الشح كما ترى، ويحتمل أنه جعله من باب القلب، فنسب الحضور إلى الشح وهو في الحقيقة منسوب إلى الأنفس. وقرأ الزمخشري العدوي: [ ص: 111 ] "الشح" بكسر الشين، وهي لغة. والشح: البخل مع حرص، فهو أخص من البخل.