قوله: واتخذ الله إبراهيم خليلا فيه وجهان، وذلك أن “اتخذ" إن عديناها لاثنين كان مفعولا ثانيا، وإلا كان حالا، وهذه الجملة عطف على الجملة الاستفهامية التي معناها الخبر، نبهت على شرف المتبوع، وأنه جدير بأن يتبع لاصطفاء الله له بالخلة، ولا يجوز عطفها على ما قبلها لعدم صلاحيتها صلة للموصول. وجعلها جملة معترضة، قال: فإن قلت: ما محل هذه الجملة ؟ قلت: لا محل لها من الإعراب؛ لأنها من جمل الاعتراضات، نحو ما يجيء في الشعر من قولهم: "والحوادث جمة"، فائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته؛ لأن من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلا كان جديرا بأن يتبع، فإن عنى بالاعتراض المصطلح عليه فليس ثم اعتراض؛ إذ الاعتراض بين متلازمين كفعل وفاعل، ومبتدإ وخبر، [ ص: 99 ] وشرط وجزاء، وقسم وجواب، وإن عنى غير ذلك احتمل، إلا أن تنظيره بقولهم: "والحوادث جمة" يشعر بالاعتراض المصطلح عليه؛ فإن قولهم: "والحوادث جمة" ورد في بيتين، أحدهما بين فعل وفاعل، كقوله: الزمخشري
1656 - وقد أدركتني والحوادث جمة أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل
والآخر يحتمل ذلك، على أن تكون الباء زائدة في الفاعل، كقوله:
1657 - ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرا دل عليه السياق؛ أي: هل أتاها الخبر بأن امرأ القيس، فيكون اعتراضا بين الفعل ومعموله.
والخليل: مشتق من الخلة بالفتح، وهي الحاجة، أو من الخلة بالضم، وهي المودة الخالصة، أو من الخلل. قال سمي خليلا؛ لأن مودته تتخلل القلب، وأنشد: ثعلب:
1658 - قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
وقال الخلة - أي: بالفتح -: الاختلال العارض للنفس؛ إما لشهوتها لشيء أو لحاجتها إليه، ولهذا فسر الخلة بالحاجة، والخلة - أي: [ ص: 100 ] بالضم -: المودة؛ إما لأنها تتخلل النفس؛ أي: تتوسطها، وإما لأنها تخل النفس فتؤثر فيها تأثير السهم في الرمية، وإما لفرط الحاجة إليها. الراغب: