قرأ هنا وما كان مثله ثلاثيا، وقرأه الباقون: "واعدنا" بألف. أبو عمرو
واختار قراءة أبو عبيد ورجحها بأن المواعدة إنما تكون من البشر، وأما الله تعالى فهو المنفرد بالوعد والوعيد، على هذا وجدنا القرآن، نحو: أبي عمرو، وعد الله الذين آمنوا منكم وعدكم الله مغانم وعدكم وعد الحق وإذ يعدكم الله وقال - مرجحا لقراءة أبي عمرو أيضا - : "وأيضا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من الله مكي لموسى، وليس فيه وعد من موسى، فوجب حمله على الواحد بظاهر النص" ثم ذكر جماعة جلة من القراء عليها.
وقال - مرجحا لها أيضا - : "قراءة العامة عندنا: وعدنا بغير ألف لأن المواعدة أكثر ما تكون من المخلوقين والمتكافئين". أبو حاتم
وقد أجاب الناس عن قول أبي عبيد وأبي حاتم بأن المفاعلة هنا صحيحة، بمعنى أن ومكي موسى نزل قبوله لالتزام الوفاء بمنزلة الوعد منه، أو أنه وعد أن يعنى بما كلفه ربه.
وقال : "المواعدة أصلها من اثنين، وقد تأتي بمعنى فعل نحو: [ ص: 353 ] طارقت النعل"، فجعل القراءتين بمعنى واحد، والأول أحسن. مكي
ورجح قوم "واعدنا"، وقال الكسائي: وليس قول الله: " وعد الله الذين آمنوا " من هذا الباب في شيء; لأن (واعدنا موسى) إنما هو من باب الموافاة، وليس من الوعد في شيء، وإنما هو من قولك: موعدك يوم كذا وموضع كذا، والفصيح في هذا "واعدنا ".
وقال : "واعدنا" بالألف جيد؛ لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فمن الله وعد، ومن الزجاج موسى قبول واتباع، فجرى مجرى المواعدة.
وقال أيضا: "والاختيار "واعدنا" بالألف؛ لأنه بمعنى وعدنا في أحد معنييه، وأنه لا بد مكي لموسى من وعد أو قبول يقوم مقام الوعد فصحت المفاعلة.
و"وعد" يتعدى لاثنين، فموسى مفعول أول، وأربعين مفعول ثان، ولا بد من حذف مضاف، أي: تمام أربعين، ولا يجوز أن ينتصب على الظرف لفساد المعنى، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جار مجرى جمع المذكر السالم، وهو في الأصل مفرد اسم جمع، سمي به هذا العقد من العدد، ولذلك أعربه بعضهم بالحركات ومنه في أحد القولين قوله:
459 - وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين
[ ص: 354 ] بكسر النون.و"ليلة" نصب على التمييز، والعقود التي هي من عشرين إلى تسعين وأحد عشر إلى تسعة عشر كلها تميز بواحد منصوب.
وموسى اسم أعجمي [غير منصرف] ، وهو في الأصل على ما يقال مركب، والأصل: موشى بالشين لأن "ماء" بلغتهم يقال له: "مو" والشجر يقال له "شاء" فعربته العرب فقالوا موسى، قالوا: وقد لقيه آل فرعون عند ماء وشجر.
واختلافهم في موسى: هل هو مفعل مشتق من أوسيت رأسه إذا حلقته فهو موسى، كأعطيته فهو معطى، أو هو فعلى مشتق من ماس يميس أي: يتبختر في مشيته ويتحرك، فقلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها كموقن من اليقين، [وهذا] إنما هو [في] موسى الحديد التي هي آلة الحلق؛ لأنها تتحرك وتضطرب عند الحلق بها، وليس لموسى اسم النبي عليه السلام اشتقاق؛ لأنه أعجمي.
قوله: ثم اتخذتم العجل اتخذ يتعدى لاثنين، والمفعول الثاني محذوف أي: ثم اتخذتم العجل إلها.
وقد يتعدى لمفعول واحد إذا كان معناه عمل وجعل نحو: وقالوا اتخذ الله ولدا وقال بعضهم: تخذ واتخذ يتعديان لاثنين ما لم يفهما كسبا فيتعديان لواحد.
واختلف في اتخذ فقيل: هو افتعل من الأخذ والأصل: اأتخذ الأولى همزة وصل والثانية فاء الكلمة فاجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة بعد أخرى، فوجب قلبها ياء كإيمان، [ ص: 355 ] فوقعت الياء قبل تاء الافتعال فأبدلت تاء وأدغمت في تاء الافتعال كاتسر من اليسر، إلا أن هذا قليل في باب الهمز، نحو: اتكل من الأكل واتزر من الإزار.
وقال هو افتعل من تخذ يتخذ، وأنشد: أبو علي:
460 - وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق
وقال تعالى: لاتخذت عليه أجرا وهذا أسهل القولين.
والقراء على إدغام الذال في التاء لقرب مخرجهما، وابن كثير وعاصم في رواية حفص بالإظهار، وهذا الخلاف جار في المفرد نحو: اتخذت، والجمع نحو: اتخذتم، وأتى في هذه الجملة بـ"ثم" دلالة على أن الاتخاذ كان بعد المواعدة بمهلة.
قوله: "من بعده" متعلق باتخذتم، و"من" لابتداء الغاية، والضمير يعود على موسى، ولا بد من حذف مضاف، أي: من بعد انطلاقه أو مضيه، وقال : "يعود على ابن عطية موسى [وقيل: على انطلاقه للتكليم، وقيل: على الوعد" وفي كلامه بعض مناقشة، فإن قوله: "وقيل يعود على انطلاقه" يقتضي عوده على موسى] من غير تقدير مضاف وذلك غير متصور.
[ ص: 356 ] قوله: "وأنتم ظالمون" جملة حالية من فاعل "اتخذتم" .