وفي "فئتين" وجهان، أحدهما: أنها حال من الكاف والميم في "لكم"، والعامل فيها الاستقرار الذي تعلق به "لكم" ومثله: فما لهم عن التذكرة معرضين ، وقد تقدم أن هذه الحال لازمة؛ لأن الكلام لا يتم دونها، وهذا مذهب البصريين في كل ما جاء من هذا التركيب. والثاني - وهو مذهب الكوفيين -: أنه نصب على خبر "كان" مضمرة، والتقدير: ما لكم في المنافقين كنتم فئتين، وأجازوا: ما لك الشاتم؛ أي: ما لك كنت الشاتم، والبصريون لا يجيزون ذلك؛ لأنه حال والحال لا تتعرف، ويدل على كونه حالا التزام مجيئه في هذا التركيب نكرة، وهذا كما قالوا في "ضربي زيدا قائما": إن "قائما" لا يجوز نصبه على خبر "كان" المقدرة، بل على الحال لالتزام تنكيره. وقد تقدم اشتقاق "الفئة" في البقرة.
قوله: والله أركسهم مبتدأ وخبر، وفيها وجهان، أظهرهما: أنها حال، إما من المنافقين - وهو الظاهر - وإما من المخاطبين، والرابط الواو، كأنه أنكر عليهم اختلافهم في هؤلاء، والحال أن الله قد ردهم إلى الكفر. والثاني: أنها مستأنفة أخبر تعالى عنهم بذلك. و "بما كسبوا" متعلق بـ "أركسهم"، والباء سببية؛ أي: بسبب كسبهم، و "ما" مصدرية أو بمعنى الذي، والعائد محذوف على الثاني لا [ على ] الأول على الصحيح. [ ص: 61 ]
والإركاس: الرد والرجع، ومنه الركس للرجيع، قال عليه السلام في الروثة لما أتي بها: " "، وقال إنها ركس أمية بن أبي الصلت:
1633 - فأركسوا في جحيم النار إنهم كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا
أي: ردوا، وقال الركس والنكس: الرذل، إلا أن الركس أبلغ؛ لأن النكس ما جعل أعلاه أسفله، والركس ما صار رجيعا بعد أن كان طعاما. وقيل: أركسه: أوبقه، قال: الراغب:
1634 - بشؤمك أركستني في الخنا وأرميتني بضروب العنا
وقيل: الإركاس: الإضلال، ومنه:
1635 - وأركستني عن طريق الهدى وصيرتني مثلا للعدى
وقيل: هو التنكيس، ومنه:
1636 - ركسوا في فتنة مظلمة كسواد الليل يتلوها فتن
ويقال: أركس وركس بالتشديد، وركس بالتخفيف؛ ثلاث لغات بمعنى واحد، وارتكس هو؛ أي: رجع. وقرأ : "ركسهم" ثلاثيا، وقرئ [ ص: 62 ] "ركسهم - ركسوا" بالتشديد فيهما. وقال عبد الله وفيه لغة أخرى: "ركسه الله" من غير همز ولا تشديد، ولا أعلم أحدا قرأ به. قلت: قد تقدم أن أبو البقاء: قرأ: "والله ركسهم" من غير همز ولا تشديد، وكلام عبد الله مخلص، فإنه إنما ادعى عدم العلم بأنها قراءة لا عدم القراءة بها. قال أبي البقاء إلا أن "أركسه" أبلغ من "ركسه"، كما أن "أسفله" أبلغ من "سفله"، وفيه نظر. الراغب: