وقرره فقال: "أي: لا أملك إلا بلاغا من الله، و الزمخشري قل إني لن يجيرني جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة". قال الشيخ : "وفيه بعد لطول الفصل بينهما". قلت: وأين الطول وقد وقع الفصل بأكثر من هذا؟ وعلى هذا فالاستثناء منقطع. الرابع: أن الكلام ليس استثناء بل شرطا. والأصل: إن لا فأدغم فـ "إن" شرطية، وفعلها محذوف لدلالة مصدره والكلام الأول عليه، و"لا" نافية والتقدير: إن لا أبلغ بلاغا من الله فلن يجيرني منه أحد. وجعلوا هذا كقول الشاعر: [ ص: 502 ]
4360- فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعل مفرقك الحسام
أي: وإن لا تطلقها يعل، حذف الشرط وأبقى الجواب. وفي هذا الوجه ضعف من وجهين، أحدهما: أن حذف الشرط دون أداته قليل جدا. والثاني: أنه حذف الجزآن معا أعني الشرط والجزاء، فيكون كقوله:
4361 - قالت بنات العم يا سلمى وإن كان فقيرا معدما قالت: وإن
أي: قالت: وإن كان فقيرا فقد رضيته. وقد يقال: إن الجواب إما مذكور عند من يرى جواز تقديمه، وإما في قوة المنطوق به لدلالة ما قبله عليه.
قوله: من الله فيه وجهان، أحدهما: أن "من" بمعنى عن; لأن بلغ يتعدى بها، ومنه قوله عليه السلام: "ألا بلغوا عني". والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة لـ "بلاغ". قال : "من" ليست صلة للتبليغ، إنما هي بمنزلة "من" في قوله: الزمخشري براءة من الله بمعنى: بلاغا كائنا من الله.
قوله: ورسالاته فيه وجهان، أحدهما: أنها منصوبة نسقا على [ ص: 503 ] "بلاغا" كأنه قيل: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، ولم يقل غيره. والثاني: أنها مجرورة نسقا على الجلالة أي: إلا بلاغا عن الله وعن رسالاته، كذا قدره الشيخ . الزمخشري
وجعله هو الظاهر. وتجوز في جعله "من" بمعنى عن، والتجوز في الحروف رأي كوفي، ومع ذلك فغير منقاس عندهم.
قوله: فإن له نار العامة على كسرها، جعلوها جملة مستقلة بعد فاء الجزاء. وقرأ بفتحها، على أنها مع ما في حيزها في تأويل مصدر واقع خبرا لمبتدأ مضمر تقديره: فجزاؤه أن له نار جهنم، أو فحكمه: أن له نار جهنم. قال طلحة ابن خالويه: "سمعت ابن يقول: لم يقرأ به أحد، وهو لحن; لأنه بعد فاء الشرط". قال: "وسمعت مجاهد يقول: هو صواب ومعناه، فجزاؤه أن له نار جهنم". قلت: ابن الأنباري وإن كان إماما في القراءات، إلا أنه خفي عليه وجهها، وهو عجيب جدا. كيف غفل عن قراءتي ابن مجاهد فأنه غفور رحيم في الأنعام، لا جرم أن استصوب القراءة لطول باعه في العربية. ابن الأنباري
قوله: خالدين حال من الهاء في "له"، والعامل الاستقرار الذي تعلق به هذا الجار، وحمل على معنى "من" فلذلك جمع.