والثاني: أنها غير مزيدة. والمعنى لئلا يعلم أهل الكتاب عجز المؤمنين، نقل ذلك وهذا لفظه، وكان قد قال قبل ذلك: "لا" زائدة والمعنى: ليعلم أهل الكتاب عجزهم، وهذا غير مستقيم; لأن المؤمنين عاجزون أيضا عن شيء من فضل الله وكيف يعمل هذا القائل بقوله: أبو البقاء وأن الفضل بيد الله ; فإنه معطوف على مفعول العلم المنفي فيصير التقدير: ولئلا يعلم أهل الكتاب أن الفضل بيد الله؟ هذا لا يستقيم نفي العلم به البتة، فلا جرم كان قولا مطرحا ذكرته تنبيها على فساده.
وقراءة العامة "لئلا" بكسر لام كي وبعدها همزة مفتوحة مخففة. [ ص: 259 ] يبدلها ياء محضة وهو تخفيف قياسي نحو: مية وفية، في: مئة وفئة. ويدل على زيادتها قراءة وورش عبد الله وابن عباس وعكرمة والجحدري وعبد الله بن سلمة "ليعلم" بإسقاطها، وقراءة حطان بن عبد الله "لأن يعلم" بإظهار "أن". والجحدري أيضا "لينعلم" وأصلها كالتي قبلها لأن يعلم، فأبدل الهمزة ياء لانفتاحها بعد كسرة، وقد تقدم أنه قياس كقراءة والحسن "ليلا" ثم أدغم النون في الياء. قال الشيخ : "بغير غنة كقراءة ورش خلف: أن يضرب بغير غنة". انتهى. فصار اللفظ لينعلم. وقوله: "بغير غنة" ليس عدم الغنة شرطا في صحة هذه المسألة، بل جاء على سبيل الاتفاق ولو أدغم بغنة لجاز ذلك فسقوطها في هذه القراءات يؤيد زيادتها في المشهورة.
وقرأ أيضا فيما روى عنه الحسن أبو بكر بن مجاهد : "ليلا يعلم" بلام مفتوحة وياء ساكنة كاسم المرأة ورفع الفعل بعدها. وتخريجها: على أن أصلها: لأن لا، على أنها لام الجر ولكن فتحت على لغة معروفة، وأنشدوا:
4237 - أريد لأنسى ذكرها. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ ص: 260 ] بفتح اللام، وحذفت الهمزة اعتباطا، وأدغمت النون في اللام فاجتمع ثلاثة أمثال فثقل النطق به فأبدل الوسط ياء تخفيفا، فصار اللفظ "ليلا" - كما ترى - ورفع الفعل; لأن "أن" هي المخففة لا الناصبة، واسمها على ما تقرر ضمير الشأن، وفصل بينها وبين الفعل الذي هو خبرها بحرف النفي.
وقرأ أيضا - فيما روى عنه الحسن قطرب - "ليلا" بلام مكسورة وياء ساكنة ورفع الفعل، وهي كالتي قبلها في التخريج. غاية ما في الباب أنه جاء بلام مكسورة كما في اللغة الشهيرة. وروي عن "لكي يعلم"، و"كي يعلم" وعن ابن عباس "لكيلا" وهذه كلها مخالفة للسواد الأعظم ولسواد المصحف. عبد الله
وقرأ العامة: ألا يقدرون بثبوت النون على أن "أن" هي المخففة، بحذفها على أن "أن" هي الناصبة وهذا شاذ جدا; لأن العلم لا تقع بعده الناصبة. وعبد الله
وقوله: يؤتيه من يشاء الظاهر أنه مستأنف. وقيل: هو خبر ثان عن الفضل. وقيل: هو الخبر وحده، والجار قبله حال وهي حال لازمة; لأن كونه بيد الله تعالى لا ينتقل البتة.
[تمت بعونه تعالى سورة الحديد]