والثاني من الوجهين الأولين: أنها ناهية، والفعل بعدها مجزوم; لأنه لو فك عن الإدغام لظهر ذلك فيه كقوله: لم يمسسهم سوء ولكنه أدغم، ولما أدغم حرك آخره بالضم لأجل هاء ضمير المذكر الغائب، ولم يحفظ في نحو هذا إلا الضم. وفي الحديث: سيبويه وإن كان القياس يقتضي جواز فتحه تخفيفا، وبهذا الذي ذكرته يظهر فساد رد من رد: بأن هذا لو كان نهيا لكان يقال: "لا يمسه" بالفتح; لأنه خفي عليه جواز ضم ما قبل الهاء في هذا النحو، لا سيما على رأي "إنا [ ص: 225 ] لم نرده عليك إلا أننا حرم" فإنه لا يجيز غيره. وقد ضعف سيبويه كونه نهيا: بأنه إذا كان خبرا فهو في موضع الصفة، وقوله بعد ذلك "تنزيل" صفة فإذا جعلناه نهيا كان أجنبيا معترضا بين الصفات وذلك لا يحسن في رصف الكلام فتدبره. وفي حرف ابن عطية "ما يمسه". انتهى. ابن مسعود
وليس فيما ذكره ضعف لهذا القول; لأنا لا نسلم أن "تنزيل" صفة، بل هو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو تنزيل فلا يلزم ما ذكره من الاعتراض. ولئن سلمنا أنه صفة فـ "لا يمسه" صفة أيضا، فيعترض علينا: بأنه طلب. فيجاب: بأنه على إضمار القول أي: مقول فيه: لا يمسه، كما قالوا ذلك في قوله: "فتنة لا تصيبن" على أن "لا تصيبن" نهي وهو كقوله:
4228 - جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط
وقد تقدم تحقيقه في الأنفال، وهذه المسألة يتعلق بها خلاف [ ص: 226 ] العلماء في مس المحدث المصحف، وهو مبني على هذا، وسيأتي تحقيقه بأشبع من هذا في كتاب "أحكام القرآن" إن شاء الله تعالى إتمامه.
وقرأ العامة "المطهرون" بتخفيف الطاء وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول، وعن كذلك، إلا أنه بكسر الهاء اسم فاعل أي: المطهرون أنفسهم، فحذف مفعوله. سلمان الفارسي ونافع في رواية عنهما وأبو عمرو بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة اسم مفعول من أطهر. وعيسى وزيد والحسن وعبد الله بن عون وسلمان أيضا "المطهرون" بتشديد الطاء والهاء المكسورة، وأصله المتطهرون فأدغم. وقد قرئ بهذا الأصل أيضا.