والجواب : إما بالتزام مذهب الكوفيين : وهو أن الصفة المشبهة يجوز أن تتمحض إضافتها أيضا ، فتكون معرفة ، وإما بأن شديدا بمعنى مشدد كـ أذين بمعنى مؤذن فتتمحض إضافته .
الثاني : أن يكون الكل أبدالا لأن إضافتها غير محضة ، قاله . إلا أن الإبدال بالمشتق قليل جدا ، إلا أن يهجر فيها جانب الوصفية . الزمخشري
[ ص: 454 ] الثالث : أن يكون " غافر " و " قابل " نعتين و " شديد " بدلا ، لما تقدم : من أن الصفة المشبهة لا تتعرف بالإضافة ، قاله . إلا أن الزجاج قال : " جعل الزمخشري " شديد العقاب " وحده بدلا من الصفات ، فيه نبو ظاهر ، والوجه أن يقال : لما صودف بين هذه المعارف هذه النكرة الواحدة فقد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف . ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على مستفعلن فهي محكوم عليها أنها من الرجز ، وإن وقع فيها جزء واحد على متفاعلن كانت من الكامل " . وقد ناقشه الشيخ فقال : " ولا نبو في ذلك لأن الجري على القواعد التي قد استقرت وصحت هو الأصل وقوله : " فقد آذنت بأن كلها أبدال " تركيب غير عربي ; لأنه جعل " فقد آذنت " جواب لما ، وليس من كلامهم " لما قام زيد فقد قام عمرو " . وقوله : بأن كلها أبدال فيه تكرير للأبدال . أما بدل البداء عند من أثبته فقد تكررت فيه الأبدال . وأما بدل كل من كل وبعض من كل وبدل اشتمال فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه . إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل لا يكرر ، وذلك في قول الشاعر : الزجاج
3911 - فإلى ابن أم أناس أرحل ناقتي عمرو فتبلغ حاجتي أو تزحف
ملك إذا نزل الوفود ببابه عرفوا موارد مزبد لا ينزف
[ ص: 455 ] قال : " فـ " ملك " بدل من " عمرو " بدل نكرة من معرفة قال : " فإن قلت : لم لا يكون بدلا من " ابن أم أناس ؟ " قلت : لأنه أبدل منه عمرا ، فلا يجوز أن يبدل منه مرة أخرى لأنه قد طرح " انتهى .
قال الشيخ : " فدل هذا على أن البدل لا يتكرر ويتحد المبدل منه ، ودل على أن البدل من البدل جائز " . قلت : وقد تقدم له هذا البحث آخر الفاتحة عند قوله : غير المغضوب عليهم فعليك بمراجعته قال : " وقوله تفاعيلها هو جمع تفعال أو تفعول أو تفعول أو تفعيل وليس شيء منها معدودا من أجزاء العروض فإن أجزاءه منحصرة ليس فيها شيء من هذه الأوزان ، فصوابه أن يقول : جاءت أجزاؤها كلها على مستفعلن " .
وقال أيضا : " ولقائل أن يقول : هي صفات وإنما حذفت الألف واللام من " شديد " ليزاوج ما قبله وما بعده لفظا فقد غيروا كثيرا من كلامهم عن قوانينه لأجل الازدواج ، فقالوا : " ما يعرف سحادليه من عبادليه " فثنوا ما هو وتر لأجل ما هو شفع . على أن الزمخشري قال في قولهم : " ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك " و " ما يحسن بالرجل خير منك " إنه على نية الألف واللام ، كما كان " الجماء الغفير " على نية طرح الألف واللام . ومما سهل ذلك الأمن من اللبس وجهالة الموصوف " . قال الشيخ : " ولا ضرورة [ ص: 456 ] إلى حذف أل من " شديد العقاب " وتشبيهه بنادر مغير وهو تثنية الوتر لأجل الشفع ، فينزه كتاب الله عن ذلك " . قلت : أما الازدواج - وهو المشاكلة - من حيث هو فإنه واقع في القرآن ، مضى لك منه مواضع . الخليل
وقال أيضا: " ويجوز أن يقال : قد تعمد تنكيره وإبهامه للدلالة على فرط الشدة وعلى ما لا شيء أدهى منه وأمر لزيادة الإنذار . ويجوز أن يقال : هذه النكتة هي الداعية إلى اختيار البدل على الوصف ، إذا سلكت طريقة الإبدال " انتهى . وقال الزمخشري : " يجوز في " غافر " و " قابل " البدل على أنهما نكرتان لاستقبالهما ، والوصف على أنهما معرفتان لمضيهما " . مكي
وقال فخر الدين الرازي : " لا نزاع في جعل غافر وقابل صفة ، وإنما كانا كذلك لأنهما يفيدان معنى الدوام والاستمرار ، فكذلك " شديد العقاب " يفيد ذلك ; لأن صفاته منزهة عن الحدوث والتجدد فمعناه كونه بحيث شديد عقابه . وهذا المعنى حاصل أبدا لا يوصف بأنه حصل بعد أن لم يكن " .
قال الشيخ : " وهذا كلام من لم يقف على علم النحو ولا نظر فيه ويلزمه أن يكون " حكيم عليم " و مليك مقتدر معارف لتنزيه صفاته عن الحدوث والتجدد ، ولأنها صفات لم تحصل بعد أن لم تكن ، ويكون تعريف صفاته بأل وتنكيرها سواء ، وهذا لا يقوله مبتدئ في علم النحو ، بله أن يصنف فيه ويقدم على تفسير كتاب الله تعالى " انتهى .
[ ص: 457 ] وقد سردت هذه الصفات كلها من غير عاطف إلا " قابل التوب " قال بعضهم : " وإنما عطف لاجتماعهما وتلازمهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر ، وقطع " شديد " عنهما فلم يعطف لانفراده " . قال الشيخ : " وفيه نزعة اعتزالية . ومذهب أهل السنة جواز الغفران للعاصي وإن لم يتب إلا الشرك " . قلت : وما أبعده عن نزعة الاعتزال . ثم أقول : التلازم لازم من جهة أنه تعالى متى قبل التوبة فقد غفر الذنب وهو كاف في التلازم .
وقال : " فإن قلت : ما بال الواو في قوله : " وقابل التوب ؟ " قلت : فيها نكتة جليلة : وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين : بين أن يقبل توبته فيكتبها طاعة من الطاعات وأن يجعلها محاءة للذنوب كمن لم يذنب كأنه قال : جامع المغفرة والقبول " انتهى . الزمخشري
وبعد هذا الكلام الأنيق وإبراز هذه المعاني الحسنة . قال الشيخ : " وما أكثر تبجج هذا الرجل وشقشقته والذي أفاد أن الواو للجمع ، وهذا معروف من ظاهر علم النحو " . قلت : وقد أنشدني بعضهم :
3912 - وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
وقال آخر : [ ص: 458 ]
3913 - قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
والتوب : يحتمل أن يكون اسما مفردا مرادا به الجنس كالذنب ، وأن يكون جمعا لتوبة كتمر وتمرة . و " ذي الطول " نعت أو بدل كما تقدم . والطول : سعة الفضل .
و لا إله إلا هو يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا ، وهي حال لازمة ، وقال : " يجوز أن يكون صفة " ، وعلى هذا ظاهره فاسد ; لأن الجملة لا تكون صفة للمعارف . ويمكن أن يريد أنه صفة لـ " أبو البقاء شديد العقاب " لأنه لم يتعرف عنده بالإضافة . والقول في " إليه المصير " كالقول في الجملة قبله ، ويجوز أن يكون حالا من الجملة قبله .