وقرأ في آخرين - ويروى عن ابن عباس - بسكون الطاء وفتح النون " فأطلع " بقطع همزة مضمومة وكسر اللام ماضيا مبنيا للمفعول . و " مطلعون " على هذه القراءة يحتمل أن يكون قاصرا أي : مقبلون من قولك : أطلع علينا فلان أي : أقبل ، وأن يكون متعديا ، ومفعوله محذوف أي : أصحابكم . أبي عمرو
وقرأ أبو البرهسم وعمار بن أبي عمار " مطلعون " خفيفة الطاء مكسورة النون ، " فأطلع " مبنيا للمفعول . وقد رد الناس - وغيره - هذه القراءة من حيث الجمع بين النون وضمير المتكلم ; إذ كان قياسها مطلعي ، والأصل : مطلعوي ، فأبدل وأدغم نحو : جاء مسلمي العاقلون ، وقوله عليه السلام " أبو حاتم " وقد وجهها أومخرجي هم على أنه أجري فيها اسم الفاعل مجرى المضارع ، يعني في إثبات النون فيه مع الضمير . وأنشد ابن جني على ذلك : [ ص: 310 ] الطبري
3806 - وما أدري وظني كل ظن أمسلمني إلى قومي شراح
وإليه نحا قال : " أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخي بينهما كأنه قال : " يطلعون " . وهو ضعيف لا يقع إلا في شعر . وذكر فيه توجيها آخر فقال : " أراد مطلعون إياي فوضع المتصل موضع المنفصل ، كقوله : الزمخشري
3807 - هم الفاعلون الخير والآمرونه ... ... ... ...
ورده الشيخ : بأن هذا ليس من مواضع المنفصل حتى يدعي أن المتصل وقع موقعه . لا يجوز : " هند زيد ضارب إياها ، ولا زيد ضارب إياي " قلت : إنما لم يجز ما ذكر ; لأنه إذا قدر على المتصل لم يعدل إلى المنفصل . ولقائل أن يقول : لا نسلم أنه يقدر على المتصل حالة ثبوت النون والتنوين قبل الضمير ، بل يصير الموضع موضع الضمير المنفصل ; فيصح ما قاله . وللنحاة في اسم الفاعل المنون قبل ياء المتكلم نحو البيت المتقدم ، وقول الآخر : الزمخشري
3808 - فهل فتى من سراة القوم يحملني وليس حاملني إلا ابن حمال
3809 - وليس بمعييني وفي الناس ممتع صديق إذا أعيا علي صديق
قولان ، أحدهما : أنه تنوين ، وأنه شذ تنوينه مع الضمير ، وإن قلنا : إن الضمير بعده في محل نصب . والثاني : أنه ليس تنوينا ، وإنما هو نون وقاية . واستدل ابن مالك على هذا بقوله :
وليس بمعييني ... ... ... ...
وبقوله أيضا :
3810 - وليس الموافيني ليرفد خائبا فإن له أضعاف ما كان أملا
ووجه الدلالة من الأول : أنه لو كان تنوينا لكان ينبغي أن يحذف الياء قبله ; لأنه منقوص منون ، والمنقوص المنون تحذف ياؤه رفعا وجرا لالتقاء الساكنين .
ووجهها من الثاني : أن الألف واللام لا تجامع النون والذي يرجح [ ص: 312 ] القول الأول ثبوت النون في قوله : " والآمرونه " وفي قوله :
3811 - ولم يرتفق والناس محتضرونه جميعا وأيدي المعتفين رواهقه
فإن النون قائمة مقام التنوين تثنية وجمعا على حدها . وقال : " ويقرأ بكسر النون ، وهو بعيد جدا ; لأن النون إن كانت للوقاية فلا تلحق الأسماء ، وإن كانت نون الجمع فلا تثبت في الإضافة " . قلت : وهذا الترديد صحيح لولا ما تقدم من الجواب عنه مع تكلف فيه ، وخروج عن القواعد ، ولولا خوف السآمة لاستقصيت مذاهب النحاة في هذه المسألة . أبو البقاء
وقرئ " مطلعون " بالتشديد كالعامة ، " فأطلع " مضارعا منصوبا بإضمار " أن " على جواب الاستفهام . وقرئ " مطلعون " بالتخفيف " فأطلع " مخففا ماضيا ومخففا مضارعا منصوبا على ما تقدم . يقال : طلع علينا فلان وأطلع ، كأكرم ، واطلع بالتشديد بمعنى واحد .
وأما قراءة من بنى الفعل للمفعول في القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه مصدر الفعل أي : أطلع الإطلاع . الثاني : الجار المقدر . الثالث - وهو الصحيح - أنه ضمير القائل لأصحابه ما قاله ; لأنه يقال : طلع زيد وأطلعه غيره ، فالهمزة فيه للتعدية . وأما الوجهان الأولان فذهب إليهما أبو الفضل الرازي في " لوامحه " فقال : " طلع واطلع إذا بدا وظهر ، وأطلع إطلاعا إذا جاء وأقبل . ومعنى ذلك : هل أنتم مقبلون فأقبل . وإنما أقيم المصدر [ ص: 313 ] فيه مقام الفاعل بتقدير : فأطلع الإطلاع ، أو بتقدير حرف الجر المحذوف أي : أطلع به ; لأن أطلع لازم كما أن أقبل كذلك " .
وقد رد الشيخ عليه هذين الوجهين فقال : " قد ذكرنا أن أطلع بالهمزة معدى من طلع اللازم . وأما قوله : " أو حرف الجر المحذوف أي : أطلع به " فهذا لا يجوز ; لأن مفعول ما لم يسم فاعله لا يجوز حذفه لأنه نائب عنه ، فكما أن الفاعل لا يجوز حذفه دون عامله فكذلك هذا . لو قلت : " زيد ممرور أو مغضوب " تريد : به أو عليه لم يجز " . قلت : أبو الفضل لا يدعي أن النائب عن الفاعل محذوف ، وإنما قال : بتقدير حرف الجر المحذوف . ومعنى ذلك : أنه لما حذف حرف الجر اتساعا انقلب الضمير مرفوعا فاستتر في الفعل ، كما يدعى ذلك في حذف عائد الموصول المجرور عند عدم شروط الحذف ويسمى الحذف على التدريج .