[ ص: 227 ] قوله : ومن الجبال جدد العامة على ضم الجيم وفتح الدال ، جمع " جدة " وهي الطريقة . قال ابن بحر : " قطع ، من قولك : جددت الشيء قطعته " . وقال أبو الفضل : " هي ما تخالف من الطرائق لون ما يليها ، ومنه جدة الحمار للخط الذي في ظهره . وقرأ " جدد " بضم الجيم والدال جمع جديدة ، يقال : جديدة وجدد وجدائد . قال الزهري أبو ذؤيب :
3765 - ... ... ... ... جون السراة له جدائد أربع
نحو : سفينة وسفن وسفائن . وقال أبو الفضل : " جمع جديد بمعنى آثار جديدة واضحة الألوان " . وعنه أيضا جدد بفتحهما . وقد رد هذه القراءة من حيث الأثر والمعنى ، وقد صححهما غيره . وقال : الجدد : الطريق الواضح البين ، إلا أنه وضع المفرد موضع الجمع ; إذ المراد الطرائق والخطوط . أبو حاتم
قوله : " مختلف ألوانها " " مختلف " صفة لـ " جدد " أيضا . و " ألوانها " فاعل به كما تقدم في نظيره . ولا جائز أن يكون " مختلف " خبرا مقدما ، و " ألوانها " مبتدأ مؤخر ، والجملة صفة ; إذ كان يجب أن يقال : مختلفة لتحملها ضمير [ ص: 228 ] المبتدأ . وقوله : " ألوانها " يحتمل معنيين ، أحدهما : أن البياض والحمرة يتفاوتان بالشدة والضعف فرب أبيض أشد من أبيض ، وأحمر أشد من أحمر ، فنفس البياض مختلف ، وكذلك الحمرة ، فلذلك جمع " ألوانها " فيكون من باب المشكل . الثاني : أن الجدد كلها على لونين : بياض وحمرة ، فالبياض والحمرة وإن كانا لونين إلا أنهما جمعا باعتبار محالهما .
وقوله : " وغرابيب سود " فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه معطوف على " حمر " عطف ذي لون على ذي لون . الثاني : أنه معطوف على " بيض " . الثالث : أنه معطوف على " جدد " . قال : " معطوف على " بيض " أو على " الزمخشري جدد " ، كأنه قيل : ومن الجبال مخطط ذو جدد ، ومنها ما هو على لون واحد " ثم قال : " ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله : ومن الجبال جدد بمعنى : ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود ، حتى يؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانها ، كما قال : ثمرات مختلفا ألوانها .
ولم يذكر بعد " غرابيب سود " " مختلف ألوانها " كما ذكر ذلك لك بعد بيض وحمر ; لأن الغربيب هو المبالغ في السواد ، فصار لونا واحدا غير متفاوت بخلاف ما تقدم " .
وغرابيب : جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كقان وناصع وناضر ويقق ، فمن ثم زعم بعضهم أنه في نية التأخير ، ومن مذهب هؤلاء يجوز تقديم الصفة على موصوفها ، وأنشدوا :
3766 - والمؤمن العائذات الطير ... ... ... ...
[ ص: 229 ] يريد : والمؤمن الطير العائذات ، وقول الآخر :
3767 - وبالطويل العمر عمرا حيدرا
يريد : وبالعمر الطويل . والبصريون لا يرون ذلك ويخرجون هذا وأمثاله على أن الثاني بدل من الأول فـ سود والطير والعمر أبدال مما قبلها . وخرجه وغيره على أنه حذف الموصوف وقامت صفته مقامه ، وأن المذكور بعد الوصف دال على الموصوف . قال الزمخشري : " الغربيب : تأكيد للأسود ، ومن حق التوكيد أن يتبع المؤكد كقولك : أصفر فاقع وأبيض يقق . ووجهه : أن يضمر المؤكد قبله ، فيكون الذي بعده تفسيرا لما أضمر كقوله : الزمخشري
والمؤمن العائذات الطير ... ... ... ...
وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار " يعني فيكون الأصل : وسود غرابيب سود ، والمؤمن الطير العائذات الطير . قال الشيخ : " وهذا لا يصح إلا على مذهب من يجوز حذف المؤكد . ومن النحويين من منعه وهو اختيار ابن مالك " . قلت : ليس هذا هو التوكيد المختلف في حذف مؤكده ; لأن هذا من باب الصفة والموصوف .
[ ص: 230 ] ومعنى تسمية لها تأكيدا من حيث إنها لا تفيد معنى زائدا ، إنما تفيد المبالغة والتوكيد في ذلك اللون ، والنحويون قد سموا الوصف إذا لم يفد غير الأول تأكيدا فقالوا : وقد يجيء لمجرد التوكيد نحو : نعجة واحدة ، وإلهين اثنين ، والتوكيد المختلف في حذف مؤكده ، وإنما هو من باب التوكيد الصناعي ، ومذهب الزمخشري جوازه ، أجاز " مررت بأخويك أنفسهما " بالنصب أو الرفع ، على تقدير : أعنيهما أنفسهما ، أو هما أنفسهما فأين هذا من ذاك ؟ إلا أنه يشكل على سيبويه هذا المذكور بعد " غرابيب " ونحوه بالنسبة إلى أنه جعله مفسرا لذلك المحذوف ، وهذا إنما عهد في الجمل ، لا في المفردات ، إلا في باب البدل وعطف البيان فبأي شيء يسميه ؟ والأولى فيه أن يسمى توكيدا لفظيا ; إذ الأصل : سود غرابيب سود . الزمخشري