وفي "التابوت" قولان، أحدهما: أنه فاعول، ولا يعرف له اشتقاق، ومنع قائل هذا أن يكون وزنه فعلوتا مشتقا من تاب يتوب كملكوت من الملك ورهبوت من الرهب، قال: لأن المعنى لا يساعد على ذلك. والقول الثاني: أن وزنه فعلوت كملكوت، وجعله مشتقا من التوب وهو الرجوع، وجعل معناه [ ص: 523 ] صحيحا فيه، لأن التابوت هو الصندوق الذي توضع فيه الأشياء فيرجع إليه صاحبه عند احتياجه إليه، فقد جعلنا فيه معنى الرجوع.
والمشهور أن يوقف على تائه بتاء من غير إبدالها هاء لأنها: إما أصل إن كان وزنه فاعولا، وإما زائدة لغير التأنيث كملكوت، ومنهم من يقلبها هاء، وقد قرئ بها شاذا، قرأها أبي وهي لغة وزيد بن ثابت الأنصار، ويحكى أنهم لما كتبوا المصاحف زمن رضي الله عنه اختلفوا فيه فقال عثمان "بالهاء"، وقال زيد: "بالتاء"، فجاؤوا [أبي:] فقال: "اكتبوه على لغة عثمان قريش" يعني بالتاء.
وهذه الهاء هل هي أصل بنفسها فيكون فيه لغتان، ووزنه على هذا فاعول ليس إلا، أو بدل من التاء لأنها قريبة منها لاجتماعهما في الهمس، أو إجراء لها مجرى تاء التأنيث؟ فقال "فإن قلت: ما وزن التابوت؟ قلت: لا يخلو أن يكون فعلوتا أو فاعولا، فلا يكون فاعولا لقلة نحو سلس وقلق"، يعني أن اتحاد الفاء واللام في اللفظ قليل جدا. "ولأنه تركيب غير معروف" يعني في الأوزان العربية، ولا يجوز ترك المعروف [إليه] فهو إذا فعلوت من التوب وهو الرجوع، لأنه ظرف تودع فيه الأشياء فيرجع إليه كل وقت. الزمخشري:
وأما من قرأ بالهاء فهو فاعول عنده، إلا من يجعل هاءه بدلا من التاء لاجتماعهما في الهمس، ولأنهما من حروف الزيادة، ولذلك أبدلت منه تاء التأنيث.
[ ص: 524 ] قوله: "فيه سكينة" يجوز أن يكون "فيه" وحده حالا من التابوت، فيتعلق بمحذوف، ويرتفع "سكينة" بالفاعلية، والعامل فيه الاستقرار والحال هنا من قبيل المفردات، ويجوز أن يكون "فيه" خبرا مقدما. و "سكينة" مبتدأ مؤخرا، والجملة في محل نصب على الحال، والحال هنا من قبيل الجمل. و "سكينة" فعيلة من السكون، وهو الوقار. وقرأ أبو السمال بتشديد الكاف، قال "وهو غريب". الزمخشري:
قوله: "من ربكم" يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ "سكينة"، ومحله الرفع. ويجوز أن يتعلق بما تعلق به "فيه" من الاستقرار. و "من" يجوز أن تكون لابتداء الغاية وأن تكون للتبعيض. وثم مضاف محذوف أي: من سكينات ربكم.
و "بقية" وزنها فعيلة والأصل: بقيية بياءين، الأولى زائدة والثانية لام الكلمة، ثم أدغم، ولا يستدل على أن لام "بقية" ياء بقولهم: "بقي" في الماضي، لأن الواو إذا انكسر ما قبلها قلبت ياء، ألا ترى أن "رضي" و "شقي" أصلهما من الواو: الشقوة والرضوان.
و "مما ترك" في محل رفع لأنه صفة لـ "بقية" فيتعلق بمحذوف أي: بقية كائنة. و "من" للتبعيض، أي: من بقيات ربكم، و "ما" موصولة اسمية، ولا تكون نكرة ولا مصدرية.
و "آل" تقدم الكلام فيه، وقيل: هو هنا زائد كقوله:
1022 - بثينة من آل النساء وإنما يكن لوصل لا وصال لغائب
[ ص: 525 ] يريد: بثينة من النساء. قال "ويجوز أن يريد: مما ترك الزمخشري: موسى وهارون، والآل مقحم لتفخيم شأنهما، أي زائد للتعظيم. واستشكل الشيخ كيفية إفادة التفخيم بزيادة الآل. و "هارون" أعجمي. قيل: لم يرد في شيء من لغة العرب، قاله أي: لم ترد مادته في لغتهم. الراغب،قوله: "تحمله الملائكة" هذه الجملة تحتمل أن يكون لها محل من الإعراب على أنها حال من التابوت أي: محمولا للملائكة وألا يكون لها محل لأنها مستأنفة، إذ هي جواب سؤال مقدر كأنه قيل: كيف يأتي؟ فقيل: تحمله الملائكة.
وقرأ "يحمله" بالياء من أسفل، لأن الفعل مسند لجمع تكسير فيجوز في فعله الوجهان. و "ذلك" مشار به قيل: إلى التابوت. وقيل: إلى إتيانه، وهو الأحسن لتناسب آخر الآية أولها. و "إن" الأظهر فيها أنها على بابها من كونها شرطية وجوابها محذوف. وقيل: هي بمعنى "إذ". مجاهد