ويجوز أن يكون "ذا" بمعنى الذي، وفيه حينئذ تأويلان، أحدهما: أن "الذي" الثاني تأكيد له، لأنه بمعناه، كأنه قيل: من الذي الذي يقرض؟ والثاني: أن يكون "الذي" خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة ذا، تقديره: "من الذي هو الذي يقرض" وذا وصلته خبر "من" الاستفهامية. أجاز هذين الوجهين جمال الدين بن مالك، وهما ضعيفان، والوجه ما قدمته.
وانتصب "قرضا" على المصدر على حذف الزوائد، إذ المعنى: إقراضا كقوله: "أنبتكم من الأرض نباتا"، وعلى هذا فالمفعول الثاني محذوف تقديره: "يقرض الله مالا وصدقة"، ولا بد من حذف مضاف تقديره: يقرض [ ص: 509 ] عباد الله المحاويج، لتعاليه عن ذلك، أو يكون على سبيل التجوز، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول نحو: الخلق بمعنى المخلوق، وانتصابه حينئذ على أنه مفعول ثان لـ "يقرض".
"وحسنا" يجوز أن يكون صفة لقرضا بالمعنيين المذكورين، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف، إذ جعلنا "قرضا" بمعنى مفعول أي: إقراضا حسنا.
قوله: "فيضاعفه" قرأ عاصم هنا، وفي الحديد بنصب الفاء، إلا أن وابن عامر يشدد العين من غير ألف. والباقون برفعها، إلا أن ابن عامر يشدد العين من غير ألف، فالرفع من وجهين، أحدهما: أنه عطف على "يقرض" الصلة. والثاني: أنه رفع على الاستئناف أي: فهو يضاعفه، والأول أحسن لعدم الإضمار. ابن كثير
والنصب من وجهين، أحدهما: أنه منصوب بإضمار "أن" عطفا على المصدر المفهوم من "يقرض" في المعنى، فيكون مصدرا معطوفا على مصدر تقديره: من ذا الذي يكون منه إقراض فمضاعفة من الله، كقوله:
1014 - للبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف
والثاني: أنه نصب على جواب الاستفهام في المعنى، لأن الاستفهام وإن وقع عن المقرض لفظا فهو عن الإقراض. معنى كأنه قال: أيقرض الله أحد فيضاعفه.[ ص: 510 ] قال "ولا يجوز أن يكون جواب الاستفهام على اللفظ لأن المستفهم عنه في اللفظ المقرض أي الفاعل للقرض، لا عن القرض، أي: الذي هو الفعل" وقد منع بعض النحويين النصب بعد الفاء في جواب الاستفهام الواقع عن المسند إليه الحكم لا عن الحكم، وهو محجوج بهذه الآية وغيرها، كقوله: "من يستغفرني فأغفر له، من يدعوني فأستجيب له" بالنصب فيهما. أبو البقاء:
قال "فإن قيل: لم لا يعطف الفعل على المصدر الذي هو "قرضا" كما يعطف الفعل على المصدر بإضمار "أن" مثل قول الشاعر: أبو البقاء:
1015 - للبس عباءة وتقر عيني ... ... ... ...
قيل: هذا لا يصح لوجهين، أحدهما: أن "قرضا" هنا مصدر مؤكد، والمصدر المؤكد لا يقدر بـ "أن" والفعل. والثاني: أن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولا ليقرض، ولا يصح هذا في المعنى، لأن المضاعفة ليست مقرضة، وإنما هي فعل الله تعالى، وتعليله في الوجه الأول يؤذن بأنه يشترط في النصب أن يعطف على مصدر يتقدر بـ "أن" والفعل، وهذا ليس بشرط، بل يجوز ذلك وإن كان الاسم المعطوف عليه غير مصدر كقوله:
[ ص: 511 ]
1016 - ولولا رجال من رزام أعزة وآل سبيع أو أسوءك علقما
وقد تقدم أنه قرئ "يضاعف" و "يضعف" فقيل: هما بمعنى، وتكون المفاعلة بمعنى فعل المجرد، نحو: عاقبت، وقيل: بل هما مختلفان، فقيل: إن المضعف للتكثير. وقيل: إن "يضعف" لما جعل مثلين، و "ضاعفه" لما زيد عليه أكثر من ذلك.
والقرض: القطع، ومنه: "المقراض" لما يقطع به، وقيل للقرض "قرض" لأنه قطع شيء من المال، هذا أصل الاشتقاق، ثم اختلف أهل العلم في "القرض" فقيل: هو اسم لكل ما يلتمس الجزاء عليه. وقيل: أن تعطي شيئا ليرجع إليك مثله. وقال "هو البلاء حسنا كان أو سيئا". الزجاج:
قوله: "أضعافا" فيه ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه حال من الهاء في "يضاعف" وهل هذه حال مؤكدة أو مبينة، الظاهر أنها مبينة، لأنها وإن كانت من لفظ العامل، إلا أنها اختصت بوصفها بشيء آخر، ففهم منها ما لا يفهم من عاملها، وهذا شأن المبينة. والثاني: أنه مفعول به على تضمين "يضاعف" معنى يصير، أي: يصيره بالمضاعفة أضعافا. والثالث: أنه منصوب على المصدر.
[ ص: 512 ] قال الشيخ: "قيل: ويجوز أن ينتصب على المصدر باعتبار أن يطلق الضعف - وهو المضاعف أو المضعف - بمعنى المضاعفة أو التضعيف، كما أطلق العطاء وهو اسم المعطى بمعنى الإعطاء. وجمع لاختلاف جهات التضعيف باعتبار اختلاف الأشخاص واختلاف المقرض واختلاف أنواع الجزاء" وسبقه إلى هذا وهذه عبارته، وأنشد: أبو البقاء،
1017 - أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المئة الرتاعا
وقرأ أبو عمرو [وابن عامر وحمزة وحفص "ويبسط" بالسين على الأصل، والباقون بالصاد لأجل الطاء. وقد تقدم تحقيقه في "الصراط". وقنبل]