والنكاح في الأصل عند العرب: لزوم الشيء والإكباب عليه، ومنه: "نكح المطر الأرض"، حكاه عن ثعلب أبي زيد وابن الأعرابي. وقيل: أصله المداخلة ومنه: تناكحت الشجر: أي تداخلت أغصانها، ويطلق النكاح على العقد كقوله:
947 - ولا تقربن جارة إن سرها حرام عليك فانكحن أو تأبدا
أي: فاعقد أو توحش وتجنب النساء. ويطلق أيضا على الوطء كقوله: 948 - الباركين على ظهور نسوتهم والناكحين بشطء دجلة البقرا
وقال "فرقت أبو علي: العرب بين العقد والوطء بفرق لطيف، فإذا قالوا: "نكح فلان فلانة" أو ابنة فلان أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا: نكح [ ص: 415 ] امرأته أو زوجته فلا يريدون غير المجامعة وهل إطلاقه عليهما بطريق الحقيقة فيكون من باب الاشتراك أو بطريق الحقيقة والمجاز؟ الظاهر: الثاني، فإن المجاز خير من الاشتراك، وإذا قيل بالحقيقة والمجاز فإنهما حقيقة: ذهب قوم إلى أنه حقيقة في الوطء وذهب قوم إلى العكس. قال "أصل النكاح للعقد ثم استعير للجماع، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد، لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباحهم تعاطيه، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه. قال تعالى: الراغب: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء".
قوله: "حتى يؤمن"" حتى" بمعنى "إلى" فقط، والفعل بعدها منصوب بإضمار "أن" أي: إلى أن يؤمن، وهو مبني على المشهور لاتصاله بنون الإناث، والأصل: يؤمنن، فأدغمت لام الفعل في نون الإناث.
قوله: "ولأمة مؤمنة خير" سوغ الابتداء بـ "أمة" شيئان: لام الابتداء والوصف "وأصل أمة": أمو، فحذفت لامها على غير قياس، وعوض منها تاء التأنيث كـ "قلة" و "ثبة" يدل على أن لامها واو رجوعها في الجمع. قال الكلابي:
[ ص: 416 ]
949 - أما الإماء فلا يدعونني ولدا إذا تداعى بنو الإموان بالعار
950 - تمشي بها ربد النعا م تماشي الآم الزوافر
والتفضيل في قوله: "خير من مشركة": إما على سبيل الاعتقاد لا على سبيل الوجود، وإما لأن نكاح المؤمنة يشتمل على منافع أخروية ونكاح المشركة الحرة يشتمل على منافع دنيوية، هذا إذا التزمنا بأن "أفعل" لا بد أن يدل على زيادة ما وإلا فلا حاجة إلى هذا التأويل كما هو مذهب وجماعة. الفراء
وقوله: "من مشركة" يحتمل أن يكون "مشركة" صفة لمحذوف مدلول عليه بمقابله أي: من حرة مشركة، أو مدلول عليه بلفظه أي: من أمة مشركة، على حسب الخلاف في قوله: "ولأمة" هل المراد المملوكة للآدميين أو مطلق النساء لأنهن ملك لله تعالى؟ وكذلك الخلاف في قوله: "ولعبد مؤمن خير من مشرك" والكلام عليه كالكلام على هذا.
قوله: "ولو أعجبتكم" وقوله "ولو أعجبكم" هذه الجملة في محل نصب على الحال، وقد تقدم أن "لو" هذه في مثل هذا التركيب شرطية بمعنى "إن" نحو: "ردوا السائل ولو بظلف محرق"، وأن الواو للعطف على حال [ ص: 418 ] محذوفة، التقدير: خير من مشركة على كل حال، ولو في هذه الحال، وأن هذا يكون لاستقصاء الأحوال، وأن ما بعد "لو" هذه إنما يأتي وهو مناف لما قبله بوجه ما، فالإعجاب مناف لحكم الخيرية، ومقتض جواز النكاح لرغبة الناكح فيها. وقال "لو" هنا بمعنى "إن"، وكذا كل موضع وقع بعد "لو" الفعل الماضي، وكان جوابها متقدما عليها، وكونها بمعنى "إن" لا يشترط فيه تقدم جوابها، ألا ترى أنهم قالوا في قوله تعالى: أبو البقاء: "لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم" إنها بمعنى "إن" مع أن جوابها وهو "خافوا" متأخر عنها، وقد نص هو على ذلك في آية النساء قال في خافوا: "وهو جواب "لو" ومعناها "إن".
قوله: "والمغفرة" الجمهور على جر "المغفرة" عطفا على "الجنة" و "بإذنه" متعلق بيدعو، أي: بتسهيله.
وفي غير هذه الآية تقدمت "المغفرة" على الجنة: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة"" وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة"، وهذا هو الأصل لأن المغفرة سبب في دخول الجنة، وإنما أخرت هنا للمقابلة، فإن قبلها "يدعون إلى النار"، فقدم الجنة ليقابل بها النار لفظا، ولتشوق النفوس إليها حين ذكر دعاء الله إليها فأتى بالأشرف. وقرأ الحسن "والمغفرة بإذنه" على الابتداء والخبر، أي: حاصلة بإذنه.