911 - وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
أي: ما ينظرون، وما أنا، ولذلك وقع بعدها "إلا" كما تقع بعد "ما".و "ينظرون" هنا بمعنى ينتظرون، وهو معدى بنفسه، قال امرؤ القيس:
912 - فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر ينفعني لدى أم جندب
قوله: "إلا أن يأتيهم" هذا مفعول "ينظرون" وهو استثناء مفرغ أي: ما ينظرون إلا إتيان الله.
قوله: "في ظلل" فيه أربعة أوجه، أحدها: أن يتعلق بيأتيهم، والمعنى: يأتيهم أمره أو قدرته أو عقابه أو نحو ذلك، أو يكون كناية عن الانتقام; إذ الإتيان يمتنع إسناده إلى الله تعالى حقيقة. والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال، وفي صاحبها وجهان، أحدهما: هو مفعول يأتيهم، أي: في حال كونهم مستقرين في ظلل وهذا حقيقة. والثاني: أنه الله تعالى بالمجاز المتقدم، أي: أمر الله في حال كونه مستقرا في ظلل. الثالث: أن تكون "في" بمعنى الباء، وهو متعلق بالإتيان، أي: إلا أن يأتيهم بظلل. ومن مجيء "في" بمعنى الباء قوله:
913 - ... ... ... ... خبيرون في طعن الكلى والأباهر
لأن "خبيرين" إنما يتعدى بالباء كقوله:
914 - ... ... ... ... خبير بأدواء النساء طبيب
[ ص: 364 ] الرابع: أن يكون حالا من "الملائكة" مقدما عليها، والأصل: إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل، ويؤيد هذا قراءة إياه كذلك، وبهذا أيضا يقل المجاز، فإنه والحالة هذه لم يسند إلى الله تعالى إلا الإتيان فقط بالمجاز المتقدم. عبد الله
وقرأ أبي وقتادة في ظلال، وفيها وجهان، أحدهما: أنها جمع ظل نحو: صل وصلال. والضحاك:
والثاني: أنها جمع ظلة كقلة وقلال، وخلة وخلال، إلا أن فعالا لا ينقاس في فعلة.
قوله: "من الغمام" فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بمحذوف; لأنه صفة لـ "ظلل" التقدير: ظلل كائنة من الغمام. و "من" على هذا للتبعيض. والثاني: أنها متعلقة بـ "يأتيهم"، وهي على هذا لابتداء الغاية، أي: من ناحية الغمام.
والجمهور: "الملائكة" رفعا عطفا على اسم "الله". وقرأ الحسن "والملائكة" جرا وفيه وجهان، أحدهما: الجر عطفا على "ظلل"، أي: إلا أن يأتيهم في ظلل وفي الملائكة; والثاني: الجر عطفا على "الغمام" أي: من الغمام ومن الملائكة، فتوصف الملائكة بكونها ظللا على التشبيه. وأبو جعفر:
قوله: "وقضي الأمر" الجمهور على "قضي" فعلا ماضيا مبنيا للمفعول وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون معطوفا على "يأتيهم" وهو داخل في حيز الانتظار، ويكون ذلك من وضع الماضي موضع المستقبل، والأصل: [ ص: 365 ] ويقضى الأمر، وإنما جيء به كذلك لأنه محقق كقوله: "أتى أمر الله". والثاني: أن يكون جملة مستأنفة برأسها، أخبر الله تعالى بأنه قد فرغ من أمرهم، فهو من عطف الجمل وليس داخلا في حيز الانتظار. وقرأ "وقضاء الأمر" قال معاذ بن جبل "على المصدر المرفوع عطفا على الملائكة". وقال غيره: بالمد والخفض عطفا على "الملائكة" قيل: "وتكون على هذا "في" بمعنى الباء" أي: بظلل وبالملائكة وبقضاء الأمر، فيكون عن معاذ قراءتان في الملائكة: الرفع والخفض، فنشأ عنهما قراءتان له في قوله: الزمخشري: "وقضي الأمر".
قوله: "وإلى الله ترجع الأمور" هذا الجار متعلق بما بعده، وإنما قدم للاختصاص، أي: لا ترجع إلا إليه دون غيره. وقرأ الجمهور: "ترجع" بالتأنيث لجريان جمع التكسير مجرى المؤنث، إلا أن حمزة والكسائي قرؤوا ببنائه للفاعل، والباقون ببنائه للمفعول، و "رجع" يستعمل متعديا تارة ولازما أخرى. وقال تعالى: ونافعا "فإن رجعك الله" فجاءت القراءتان على ذلك، وقد سمع في المتعدي "أرجع" رباعيا وهي لغة ضعيفة، ولذلك أبت العلماء أن تجعل قراءة من بناه للمفعول مأخوذة منها. وقرأ عن خارجة نافع:
"يرجع" بالتذكير وببنائه للمفعول لأن تأنيثه مجازي، والفاعل المحذوف [ ص: 366 ] في قراءة من بناه للمفعول: إما الله تعالى، أي: يرجعها إلى نفسه بإفناء هذه الدار، وإما ذوو الأمور; لأنه لما كانت ذواتهم وأحوالهم شاهدة عليهم بأنهم مربوبون مجزيون بأعمالهم كانوا رادين أمورهم إلى خالقها.