قوله: "ورأوا العذاب" في هذه الجملة وجهان: أظهرهما: أنها عطف على ما قبلها، فتكون داخلة في حيز الظرف، تقديره: "إذ تبرأ الذين اتبعوا، وإذ رأوا". والثاني: أن الواو للحال والجملة بعدها حالية، و "قد" معها مضمرة، والعامل في هذه الحال: "تبرأ" أي: تبرؤوا في حال رؤيتهم العذاب.
قوله: "وتقطعت" يجوز أن تكون الواو للعطف وأن تكون للحال، وإذا كانت للعطف فهل عطفت "تقطعت" على "تبرأ"، ويكون قوله: "ورأوا" حالا، وهذا اختيار الزمخشري، أو عطفت على "رأوا"؟ وإذا كانت للحال فهل هي حال ثانية للذين، أو حال للضمير في "رأوا"؟ وتكون حالا متداخلة إذا جعلنا "ورأوا" حالا.
والباء في "بهم" فيها أربعة أوجه، أحدهما: أنها للحال أي: تقطعت موصولة بهم الأسباب نحو: "خرج بثيابه". الثاني: أن تكون للتعدية، أي: [ ص: 218 ] قطعتهم الأسباب كما تقول: تفرقت بهم الطرق "أي: فرقتهم. الثالث: أن تكون للسببية، أي: تقطعت بسبب كفرهم الأسباب التي كانوا يرجون بها النجاة. الرابع: أن تكون بمعنى "عن"، أي: تقطعت عنهم.
والأسباب: الوصلات بينهم، وهي مجاز، فإن السبب في الأصل الحبل ثم أطلق على كل ما يتوصل به إلى شيء: عينا كان أو معنى، وقد تطلق الأسباب على الحوادث، قال زهير:
804 - ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو نال أسباب السماء بسلم
وقد وجد هنا نوع من أنواع البديع هو الترصيع ، وهو عبارة عن تسجيع الكلام، وهو هنا في موضعين، أحدهما "اتبعوا من الذين اتبعوا" ولذلك حذف عائد الموصول الأول فلم يقل: من الذين اتبعوهم لفوات ذلك والثاني: "ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب" وهو كثير في القرآن ،ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه".