وقد جوز أن يكون الظرف متعلقا بـ " تثريب " فقال : " فإن قلت : بم يتعلق " اليوم " ؟ قلت : بالتثريب أو بالمقدر في " عليكم " من معنى الاستقرار ، أو ب " يغفر " . قلت : فجعله أنه متعلق ب " تثريب " فيه ما تقدم . وقد [ ص: 555 ] أجرى بعضهم الاسم العامل مجرى المضاف لشبهه به فينزع ما فيه من تنوين أو نون ، وجعل الزمخشري من ذلك قوله : الفارسي
2830 - أراني ولا كفران لله أية لنفسي ، لقد طالبت غير منيل
قال : " فأية منصوب بكفران ، أي : لا أكفر الله رحمة لنفسي . ولا يجوز أن تنصب " أية " بأويت مضمرا ؛ لئلا يلزم الفصل بين مفعولي " أرى " بجملتين : أي بـ " لا " وما في حيزها ، وب " أويت " المقدرة . ومعنى أويت رققت . وجعل منه الشيخ جمال الدين بن مالك ما جاء في الحديث برفع " يوم " على أنه مرفوع بالمصدر المنحل لحرف مصدري وفعل مبني للمفعول ، وفي بعض ما تقدم خلاف لا يليق التعرض له هنا . " لا صمت يوم إلى الليل "وأما تعليقه بالاستقرار المقدر فواضح ، ولذلك وقف أكثر القراء عليه ، وابتدأ بـ يغفر الله لكم ، وأما تعليقه بـ " يغفر " فواضح أيضا ولذلك وقف بعض القراء على " عليكم " وابتدأ اليوم يغفر الله لكم ، وجوزوا أن يكون " عليكم " بيانا كـ " لك " في نحو " سقيا لك " ، فعلى هذا تتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون خبر " لا " محذوفا ، و " عليكم " و " اليوم " كلاهما متعلقان بمحذوف آخر يدل عليه " تثريب " ، والتقدير : لا تثريب يثرب عليكم اليوم ، كما قدروا في لا عاصم اليوم من أمر الله لا عاصم يعصم اليوم . قال الشيخ : " لو قيل به لكان قويا " .
وقد يفرق بينهما بأن هنا يلزم كثرة المجاز ، وذلك أنك تحذف الخبر ، [ ص: 556 ] وتحذف هذا الذي تعلق به الظرف وحرف الجر وتنسب الفعل إليه ؛ لأن التثريب لا يثرب إلا مجازا كقولهم : " شعر شاعر " بخلاف " عاصم يعصم " فإن نسبة الفعل إلى العاصم حقيقة ، فهناك حذف شيء واحد من غير مجاز ، وهنا حذف شيئين مع مجاز .
والتثريب العتب والتأنيب ، وعبر بعضهم عنه بالتعيير ، من عيرته بكذا إذا عبته به ، وفي الحديث : ، أي : لا يعير ، وأصله من الثرب وهو ما يغشى الكرش من الشحم ، ومعناه إزالة الثرب كما أن التجليد إزالة الجلد ، فإذا قلت : " ثربت فلانا " فكأنك لشدة عيبتك له أزلت ثربه فضرب مثلا في تمزيق الأعراض . " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب "
وقال : " ولا يعرف من لفظه إلا قولهم " الثرب " وهو شحمة رقيقة ، وقوله تعالى : الراغب يا أهل يثرب يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء فيه مزيدة " .