قوله: "إلا الذين" قرأ الجمهور "إلا" بكسر الهمزة وتشديد اللام، [ ص: 178 ] وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد بفتحها وتخفيف اللام على أنها للاستفتاح. فأما قراءة الجمهور فاختلف النحويون في تأويلها على أربعة أقوال أظهرها: - وهو اختيار وبدأ به الطبري، ولم يذكر ابن عطية، غيره - أنه استثناء متصل، قال الزمخشري "ومعناه لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا للمعاندين منهم القائلين: ما ترك قبلتنا إلى الزمخشري: الكعبة إلا ميلا لدين قومه وحبا لهم، وأطلق على قولهم "حجة" لأنهم ساقوه مساق الحجة. وقال "المعنى أنه لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة للذين ظلموا من اليهود وغيرهم الذين تكلموا في النازلة، وسماها حجة، وحكم بفسادها حين كانت من ظالم". الثاني: أنه استثناء منقطع فيقدر بـ "لكن" عند البصريين وببل عند الكوفيين لأنه استثناء من غير الأول والتقدير: لكن الذين ظلموا فإنهم يتعلقون عليكم بالشبهة يضعونها موضع الحجة. ومثار الخلاف هو: هل الحجة هو الدليل الصحيح أو الاحتجاج صحيحا كان أو فاسدا؟ فعلى الأول يكون منقطعا وعلى الثاني يكون متصلا. الثالث: - وهو قول ابن عطية: - أن "إلا" بمعنى الواو العاطفة، وجعل من ذلك قوله: أبي عبيدة
774 - وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
[ ص: 179 ] وقول الآخر:
775 - ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا
تقدير ذلك عنده: "ولا الذين ظلموا - والفرقدان - ودار مروان" وقد خطأه النحاة في ذلك وغيره. الرابع: أن "إلا" بمعنى بعد، أي: بعد الذين ظلموا، وجعل منه قول الله تعالى: كالزجاج "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى"، وقوله تعالى: "إلا ما قد سلف" تقديره: بعد الموتة وبعد ما قد سلف، وهذا من أفسد الأقوال وأنكرها وإنما ذكرته لغرض التنبيه على ضعفه.
و "الذين" في محل نصب على الاستثناء، على القولين اتصالا وانقطاعا. وأجاز قطرب أن يكون في موضع جر بدلا من ضمير الخطاب في "عليكم"، والتقدير: لئلا تثبت حجة للناس على غير الظالمين منهم، وهو أنتم أيها المخاطبون بتولية وجوهكم إلى القبلة، ونقل عنه أنه كان يقرأ: "إلا على الذين" كأنه يكرر العامل في البدل على حد قوله: "للذين استضعفوا لمن آمن منهم" وهذا عند جمهور البصريين ممتنع، لأنه يؤدي إلى بدل ظاهر من ضمير حاضر بدل كل من كل، ولم يجزه من البصريين إلا وتأول غيره ما ورد من ذلك. الأخفش،
وأما قراءة فـ "ألا" للاستفتاح، وفي محل "الذين" حينئذ ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه مبتدأ وخبره قوله: ابن عباس "فلا تخشوهم" وإنما دخلت الفاء في [ ص: 180 ] الخبر لأن الموصول تضمن معنى الشرط، والماضي الواقع صلة مستقبل معنى، كأنه قيل: من يظلم الناس فلا تخشوهم، ولولا دخول الفاء لترجح النصب على الاشتغال، أي: لا تخشوا الذين ظلموا لا تخشوهم. الثاني: أن يكون منصوبا بإضمار فعل على الاشتغال، وذلك على قول فإنه يجيز زيادة الفاء. الثالث - نقله الأخفش -: أن يكون منصوبا على الإغراء. ابن عطية
ونقل عن أنه قرأ: ابن مجاهد "إلا الذين ظلموا" وجعل "إلى" حرف جر متأولا لذلك بأنها بمعنى مع، والتقدير: لئلا يكون للناس عليكم حجة مع الذين، والظاهر أن هذا الراوي وقع في سمعه "إلا الذين" بتخفيف "إلا" فاعتقد ذلك فيها، وله نظائر مذكورة عندهم". و "منهم" في محل نصب على الحال فيتعلق بمحذوف، ويحتمل أن تكون "من" للتبعيض وأن تكون للبيان.
قوله: "ولأتم" فيه أربعة أوجه، أظهرها: أنه معطوف على قوله "لئلا يكون" كأن المعنى: "عرفناكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة لكم لانتفاء حجج الناس عليكم ولإتمام النعمة، فيكون التعريف معللا بهاتين العلتين، والفصل بالاستثناء وما بعده كلا فصل إذ هو من متعلق العلة الأولى. الثاني: أنه معطوف على علة محذوفة وكلاهما معلولها الخشية السابقة، فكأنه قيل: واخشوني لأوفيكم ولأتم نعمتي عليكم. الثالث: أنه متعلق بفعل محذوف مقدر بعده تقديره: "ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم أمر قبلتكم". الرابع: وهو أضعفها - أن تكون متعلقة بالفعل قبلها، والواو زائدة، تقديره: واخشوني لأتم نعمتي. وهذه لام كي وأن مضمرة بعدها ناصبة [ ص: 181 ] للمضارع فينسبك منها مصدر مجرور باللام، وتقدم تحقيقه. و "عليكم" فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بأتم، والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من نعمتي، أي: كائنة عليكم.