قوله : هيت لك اختلف أهل النحو في هذه اللفظة : هل هي عربية أم معربة ، فقيل : معربة من القبطية بمعنى هلم لك ، قاله . وقيل : من السريانية ، قاله السدي ابن عباس . وقيل : هي من العبرانية وأصلها هيتلخ ، أي : تعاله فأعربه القرآن ، قاله والحسن . وقيل : هل لغة حورانية وقعت إلى أهل أبو زيد الأنصاري الحجاز فتكلموا بها ومعناها تعال ، قاله الكسائي ، وهو منقول عن والفراء . والجمهور على أنها عربية ، قال عكرمة : " هي كلمة حث وإقبال ، ثم هي في بعض اللغات تتعين فعليتها ، وفي بعضها اسميتها ، وفي بعضها يجوز الأمران ، وستعرف ذلك من القراءات المذكورة فيها : مجاهد
فقرأ نافع وابن ذكوان " هيت " بكسر الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة . وقرأ " هيت " بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مضمومة . وقرأ " هئت " بكسر الهاء وهمزة ساكنة وتاء مفتوحة أو مضمومة ابن كثير . وقرأ " هيت " بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة الباقون ، فهذه خمس قراءات في السبع . هشام
[ ص: 464 ] وقرأ ابن عباس وأبو الأسود والحسن وابن محيصن بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مكسورة . وحكى أنه قرئ بكسر الهاء والتاء بينهما ياء ساكنة . وقرأ النحاس أيضا " هييت " بضم الهاء وكسر الياء بعدها ياء ساكنة ثم تاء مضمومة بزنة حييت . وقرأ ابن عباس زيد بن علي وابن أبي إسحاق بكسر الهاء وياء ساكنة وتاء مضمومة . فهذه أربع في الشاذ فصارت تسع قراءات . فيتعين كونها اسم فعل في غير قراءة " هييت " بزنة حييت . وفي غير قراءة كسر الهاء سواء كان ذلك بالياء أم بالهمز : فمن فتح التاء بناها على الفتح تخفيفا نحو : أين وكيف ، ومن ضمها ابن عباس فتشبيها ب " حيث " ، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين كجير ، وفتح الهاء وكسرها لغتان . كابن كثير
ويتعين فعليتها في قراءة " هييت " بزنة " حييت " فإنها فيها فعل ماض مبني للمفعول مسند لضمير المتكلم من هيأت الشيء ، ويحتمل الأمرين في قراءة من كسر الهاء وضم التاء ، فيحتمل أن تكون فيه اسم فعل بنيت على الضم كحيث ، وأن تكون فعلا مسندا لضمير المتكلم من هاء الرجل يهيء كجاء يجيء وله حينئذ معنيان ، أحدهما : أن يكون بمعنى حسن هيئة . ابن عباس
والثاني : أن يكون بمعنى تهيأ ، يقال : هئت ، أي : حسنت هيئتي أو تهيأت . وجوز أن تكون " هئت " هذه من : هاء يهاء ، كشاء يشاء . أبو البقاء
وقد طعن جماعة على قراءة التي بالهمز وفتح التاء ، فقال هشام : " يشبه أن [يكون] الهمز وفتح التاء وهما من الراوي ، لأن الخطاب من المرأة ليوسف ولم يتهيأ لها بدليل قوله : الفارسي " وراودته " و أني [ ص: 465 ] لم أخنه بالغيب وتابعه على ذلك جماعة . وقال : " يجب أن يكون اللفظ " هئت لي " ولم يقرأ بذلك أحد " وأيضا فإن المعنى على خلافه لأنه لم يزل يفر منها ويتباعد عنها ، وهي تراوده وتطلبه وتقد قميصه ، فكيف يخبر أنها تهيأ لها ؟ مكي بن أبي طالب
وقد أجاب بعضهم عن هذين الإشكالين بأن المعنى : تهيأ لي أمرك ، لأنها لم تكن تقدر على الخلوة به في كل وقت ، أو يكون المعنى : حسنت هيئتك .
و " لك " متعلق بمحذوف على سبيل البيان كأنها قالت : القول لك أو الخطاب لك ، كهي في " سقيا لك ورعيا لك " . قلت : واللام متعلقة بمحذوف على كل قراءة إلا قراءة ثبت فيها كونها فعلا ، فإنها حينئذ تتعلق بالفعل ، إذ لا حاجة إلى تقدير شيء آخر .
وقال : " والأشبه أن تكون الهمزة بدلا من الياء ، أو تكون لغة في الكلمة التي هي اسم للفعل ، وليست فعلا لأن ذلك يوجب أن يكون الخطاب أبو البقاء ليوسف عليه السلام ، وهو فاسد لوجهين ، أحدهما : أنه لم يتهيأ لها وإنما هي تهيأت له . والثاني : أنه قال لك ، ولو أراد الخطاب لكان هئت لي " . قلت : قد تقدم جوابه . وقوله : " إن الهمزة بدل من الياء " هذا عكس لغة العرب إذ قد عهدناهم يبدلون الهمزة الساكنة ياء إذا انكسر ما قبلها نحو : بير وذيب ، ولا يقبلون الياء المكسور ما قبلها همزة نحو : ميل وديك ، وأيضا فإن غيره جعل الياء الصريحة مع كسر الهاء كقراءة نافع وابن ذكوان [ ص: 466 ] محتملة لأن تكون بدلا من الهمزة ، قالوا : فيعود الكلام فيها كالكلام في قراءة . واعلم أن القراءة التي استشكلها هشام هي المشهورة عن الفارسي ، وأما ضم التاء فغير مشهور عنه ، وهذا قد أتقنته في شرح " حرز الأماني " . هشام
قوله : معاذ الله منصوب على المصدر بفعل محذوف ، أي : أعوذ بالله معاذا : يقال : عاذ يعوذ عياذا وعياذة ومعاذا وعوذا ، قال :
2764 - معاذ الإله أن تكون كظبية ولا دمية ولا عقيلة ربرب
قوله : إنه يجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن وما بعده جملة خبرية له ، ومراده بربه سيده ، ويحتمل أن تكون الهاء ضمير الباري تعالى . و " ربي " يحتمل أن يكون خبرها ، و " أحسن " جملة حالية لازمة ، وأن تكون مبتدأ ، و " أحسن " جملة خبرية له ، والجملة خبر لـ " إن " . وقد أنكر جماعة الأول ، قال مجاهد والسدي وابن إسحاق . يبعد جدا أن يطلق نبي كريم على مخلوق أنه ربه ، ولا بمعنى السيد لأنه ليس مملوكا في الحقيقة .وقرأ الجحدري وأبو الطفيل الغنوي " مثوي " بقلب الألف ياء وإدغامها كبشري وهدي .
و إنه لا يفلح هذه الهاء ضمير الشأن ليس إلا .