ولما استوفى سبحانه وتعالى وصف من أمره صلى الله عليه وسلم بتسبيحه بما دل على أوصاف جماله ونعوت كبريائه وجلاله، وشرح ما له سبحانه من القدرة التامة على الإبداع والهداية والتصرف في الأرواح الحسية والمعنوية بالنشر والطي والقبض والبسط، فدل على تمام أصول الدين بالدلالة على وجوده سبحانه على سبيل التنزل من ذاته إلى صفاته ثم إلى أفعاله فتم ما للخالق، أتبعه ما للخلائق وبدأ بما لأشرف [ ص: 395 ] خلقه المنزل عليه هذا الذكر تقديرا للنبوة التي بها تتم السعادة بالحقائق الواصلة من الحق إلى عبده، التي بها يتم أمره من القوتين العلمية ثم العملية بقبول الرسالة بعد التوحيد، لأن حياة الإنسان لا يتم طيبها إلا بمقتدي يقتدى به من أقواله وأفعاله وسائر أحواله، ولا مقتدي مثل المعصوم عن كل ميل الموجب ذلك الحب من كل ما يعرف حاله، والحب في الله أعظم دعائم الدين، فقال معللا للأمر بالتسبيح للموصوف بالجلال والجمال دالا [على - ] أنه يحيي ميت الأرواح بالعلم كما يحيي ميت الأشباح بالأرواح سنقرئك أي نجعلك بعظمتنا بوعد لا خلف فيه على سبيل التكرار بالتجديد والاستمرار قارئا، أي جامعا لهذا الذكر الذي هو حياة الأرواح بمنزلة حياة الأشباح، الذي تقدم أنه قول فصل، عالما به كل علم، ناشرا له في كل حي، فارقا به [بين - ] كل ملتبس، وإن كانت أميا لا تحسن الكتابة ولا القراءة، ولذلك سبب عنه قوله: فلا تنسى أي شيئا منه ولا من غيره ليكون في ذلك آيتان: كونك تقرأ وأنت أمي، وكونك تخبر عن المستقبل فيكون كما قلت فلا تحرك [به - ] لسانك عند التنزيل لتعجل به ولا تتعب نفسك فإن علينا حفظه في صدرك وإنطاق لسانك به.