قال وحدثني ابن إسحاق: عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري، حليف بني زهرة، أنه حدثه، أنه لما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل بن هشام:
اللهم، أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة! فكان هو المستفتح.
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا، ثم قال: " شاهت الوجوه! " ثم نفحهم بها. وأمر أصحابه فقال: " شدوا " فكانت الهزيمة. فقتل الله تعالى من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم..
فلما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العريش، قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوشحا السيف، في نفر من وسعد بن معاذ الأنصار يحرسون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخافون عليه كرة العدو ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم! " قال: أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك. سعد
فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال! قال وحدثني ابن إسحاق: العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن رضي الله عنهما. ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يومئذ: " إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرها " قال: فقال العباس بن عبد المطلب أبو حذيفة (ابن عتبة بن ربيعة) : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك والله لئن لقيته لألحمنه السيف! قال: فبلغت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال العباس؟! " يا لعمر بن الخطاب: " قال أبا حفص والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر: بأبي حفص - " أيضرب وجه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف؟ " فقال عمر:
يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف! فو الله لقد نافق! فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة - فقتل يوم اليمامة (في حروب الردة) شهيدا.
قال وإنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل ابن هشام: أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة، وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب ... (وقد قتل لأنه رفض أن يستأسر) ...
قال حدثني ابن إسحاق: يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة. وكان اسمي عبد عمرو، فتسميت حين أسلمت " عبد الرحمن " ونحن بمكة. فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماكه أبواك؟ فأقول: نعم! فيقول: فإني لا أعرف الرحمن، [ ص: 1461 ] فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف! قال فكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه. قال: فقلت له: يا أبا علي، اجعل ما شئت. قال: فأنت عبد الإله.
قال: قلت: نعم. قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله، فأجيبه، فأتحدث معه. حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي ابن أمية آخذ بيده ومعي أدراع لي قد استلبتها فأنا أحملها.
فلما رآني قال لي: يا عبد عمرو، فلم أجبه. فقال: يا عبد الإله ، فقلت: نعم، قال: هل لك في؟ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك!: قال: قلت: نعم! ها الله إذن. قال: فطرحت الأدراع من يدي، وأخذت بيده ويد ابنه (يعني أسيرين) وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط! أما لكم حاجة في اللبن؟ (يعني أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن!) ثم خرجت أمشي بهما.
قال حدثني ابن إسحاق: عبد الواحد بن أبي عون، عن سعيد بن إبراهيم، عن أبيه، عن رضي الله عنه - قال: قال لي عبد الرحمن ابن عوف - أمية بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه، آخذ بأيديهما: يا عبد الإله، من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قال. قلت: قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.. قال حمزة بن عبد المطلب. فو الله إني لأقودهما إذ رآه عبد الرحمن: معي، وكان هو الذي يعذب بلال بلالا بمكة على ترك الإسلام، فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد، فيقول أحد. أحد. قال: بلال:
فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا! قال: قلت: أي أبأسيري؟ قال: لا نجوت إن نجا! قال: قلت: أتسمع يا ابن السوداء؟ قال: لا نجوت إن نجا! قال: ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر بلال، أمية ابن خلف، لا نجوت إن نجا! قالوا: فأحاطوا بنا، حتى جعلونا في مثل المسكة (أي السوار من عاج) وأنا أذب عنه قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط. قال: فقلت: انج بنفسك ولا نجاء بك. فو الله ما أغني عنك شيئا. قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.. فكان يقول: يرحم الله عبد الرحمن بلالا، ذهبت أدراعي. وفجعني بأسيري! قال فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدوه أمر ابن إسحاق: بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى، وكان أول من لقي أبا جهل - كما حدثني ثور بن زيد، عن عن عكرمة، ابن عباس، وعبد الله بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك - قالا: قال أخو معاذ بن عمرو بن الجموح بني سلمة:
سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة (أي: الشجر الملتف) وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، قال:
فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فو الله ما شبهتها - حين طاحت - إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال:
وضربني ابنه على عاتقي فطرح يدي. فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها. عكرمة
ثم مر بأبي جهل، وهو عقير، معوذ ابن عفراء، فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل - حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى - وقد قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني: " انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته، فإني ازدحمت يوما أنا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان، ونحن غلامان، وكنت أشف منه بيسير، فدفعته، فوقع على ركبتيه، فجحش في إحداهما جحشا لم يزل أثره به " قال رضي الله عنه. فوجدته [ ص: 1462 ] بآخر رمق، فعرفته فوضعت رجلي على عنقه، قال وقد كان خبث بي مرة عبد الله بن مسعود بمكة فآذاني ولكزني (أي قبض علي ولزمني) ثم قلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه (يريد أكبر من رجل قتلتموه؟) أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال. قلت لله ورسوله.
قال وزعم رجال من ابن إسحاق: بني مخزوم كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم. قال: ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله ابن مسعود أبي جهل. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله الذي لا إله غيره " ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله. أن
قال وحدثني ابن هشام: وغيره من أهل العلم بالمغازي، أن أبو عبيدة رضي الله عنه قال عمر بن الخطاب ومر به - إني أراك كأن في نفسك شيئا. أراك تظن أني قتلت أباك! إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله ولكني قتلت خالي لسعيد بن العاص - العاص بن هشام ابن المغيرة. فأما أبوك فإني مررت به، وهو يبحث بحث الثور بروقه (أي بقرنه) فحدت عنه. وقصد له ابن عمه فقتله! قال علي وحدثني ابن إسحاق: يزيد بن رومان، عن عن عروة بن الزبير، رضي الله عنها. قالت: عائشة
أمية بن خلف. فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليحركوه. فتزايل لحمه، فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة، فلما ألقاهم في القليب، وقف عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا " قالت: فقال له أصحابه: يا رسول الله، أتكلم قوما موتى؟ فقال لهم: " لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق " قالت والناس يقولون: عائشة:
" لقد سمعوا ما قلت لهم " وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد علموا " . لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه، إلا ما كان من
قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - في وجه أبي حذيفة بن عتبة، فإذا هو كئيب قد تغير. فقال: " يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء " أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرا..
ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع، فاختلف المسلمون فيه.
فقال من جمعه: هو لنا. وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه: والله لولا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم. وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخافة أن يخالف إليه العدو: والله ما أنتم بأحق به منا، لقد رأينا المتاع حين لم يكن دونه ما يمنعه، ولكنا خفنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كرة العدو، فقمنا دونه، فما أنتم بأحق به منا.
قال وحدثني ابن إسحاق: عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى، عن عن مكحول، قال أبي أمامة الباهلي، عن الأنفال. فقال فينا أصحاب عبادة بن الصامت بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 1463 ] فقسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين عن بواء، يقول: على السواء. سألت
قال وحدثني ابن إسحاق: نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار . فكان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أقبل بالأسارى، فرقهم في أصحابه، وقال: استوصوا بالأسارى خيرا " أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو لأبيه وأمه، في الأسارى. قال: فقال مصعب بن عمير أبو عزيز: مر بي أخي ورجل من مصعب بن عمير، الأنصار يأسرني، فقال: شد يدك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك. قال: وكنت في رهط من الأنصار - حين أقبلوا بي من بدر - فكانوا إذا قدموا غداءهم أو عشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها.
قال: فأستحيي فأردها على أحدهم، فيردها علي ما يمسها.
قال وكان ابن هشام: أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر، بعد النضر بن الحارث، فلما قال أخوه مصعب ابن عمير لأبي اليسر - وهو الذي أسره - ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي، هذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك.. فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم، ففدته بها.
قال ثم بعثت ابن إسحاق: قريش في فداء الأسرى.