nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2للكافرين ليس له دافع، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3من الله ذي المعارج، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فاصبر صبرا جميلا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إنهم يرونه بعيدا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7ونراه قريبا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=8يوم تكون السماء كالمهل، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=9وتكون الجبال كالعهن، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10ولا يسأل حميم حميما، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=11يبصرونهم، يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=12وصاحبته وأخيه، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=13وفصيلته التي تؤويه، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=14ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=15كلا! إنها لظى، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نزاعة للشوى، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تدعو من أدبر وتولى، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=18وجمع فأوعى ..
كانت حقيقة الآخرة من الحقائق العسيرة الإدراك عند مشركي
العرب; ولقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة، وكانوا يتلقونها بغاية العجب والدهش والاستغراب; وينكرونها أشد الإنكار، ويتحدون الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صور شتى أن يأتيهم بهذا اليوم الموعود، أو أن يقول لهم: متى يكون.
وفي رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الذي سأل عن العذاب هو
النضر بن الحارث. وفي رواية أخرى عنه: قال: ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم.
وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائلا سأل وقوع العذاب واستعجله. وتقرر أن هذا العذاب واقع فعلا، لأنه كائن في تقدير الله من جهة، ولأنه قريب الوقوع من جهة أخرى. وأن أحدا لا يمكنه دفعه ولا منعه. فالسؤال عنه واستعجاله - وهو واقع ليس له من دافع - يبدو تعاسة من السائل المستعجل; فردا كان أو مجموعة!
وهذا العذاب للكافرين.. إطلاقا.. فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر. وهو واقع من الله
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3ذي المعارج .. وهو تعبير عن الرفعة والتعالي، كما قال في السورة الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15رفيع الدرجات ذو العرش ..
وبعد هذا الافتتاح الذي يقرر كلمة الفصل في موضوع العذاب، ووقوعه، ومستحقيه، ومصدره، وعلو هذا المصدر ورفعته، مما يجعل قضاءه أمرا علويا نافذا لا مرد له ولا دافع.. بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب، والذي يستعجلون به وهو منهم قريب. ولكن
nindex.php?page=treesubj&link=30455تقدير الله غير تقدير البشر، ومقاييسه غير مقاييسهم:
[ ص: 3696 ] nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فاصبر صبرا جميلا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إنهم يرونه بعيدا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7ونراه قريبا ..
والأرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة، لأن السياق يكاد يعين هذا المعنى. وفي هذا اليوم تصعد الملائكة والروح إلى الله. والروح: الأرجح أنه
جبريل عليه السلام، كما سمي بهذا الاسم في مواضع أخرى. وإنما أفرد بالذكر بعد الملائكة لما له من شأن خاص. وعروج الملائكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك بالذكر، إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته، وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم ومهامه. ولا ندري نحن - ولم نكلف أن ندري - طبيعة هذه المهام، ولا كيف يصعد الملائكة، ولا إلى أين يصعدون. فهذه كلها تفصيلات في شأن الغيب لا تزيد شيئا من حكمة النص، وليس لنا إليها من سبيل، وليس لنا عليها من دليل. فحسبنا أن نشعر من خلال هذا المشهد بأهمية ذلك اليوم، الذي ينشغل فيه الملائكة والروح بتحركات تتعلق بمهام ذلك اليوم العظيم.
وأما
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4كان مقداره خمسين ألف سنة .. فقد تكون كناية عن طول هذا اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي. وقد تعني حقيقة معينة، ويكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض فعلا وهو يوم واحد! وتصور هذه الحقيقة قريب جدا الآن. فإن يومنا الأرضي هو مقياس مستمد من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة. وهناك نجوم دورتها حول نفسها تستغرق ما يعادل يومنا هذا آلاف المرات.. ولا يعني هذا أنه المقصود بالخمسين ألف سنة هنا. ولكننا نذكر هذه الحقيقة لتقرب إلى الذهن تصور اختلاف المقاييس بين يوم ويوم!
وإذا كان يوم واحد من أيام الله يساوي خمسين ألف سنة، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=30296_28766عذاب يوم القيامة قد يرونه هم بعيدا، وهو عند الله قريب. ومن ثم يدعو الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19570الصبر الجميل على استعجالهم وتكذيبهم بذلك العذاب القريب.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فاصبر صبرا جميلا. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إنهم يرونه بعيدا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7ونراه قريبا ..
والدعوة إلى الصبر والتوجيه إليه صاحبت كل دعوة، وتكررت لكل رسول، ولكل مؤمن يتبع الرسول. وهي ضرورية لثقل العبء ومشقة الطريق، ولحفظ هذه النفوس متماسكة راضية، موصولة بالهدف البعيد، متطلعة كذلك إلى الأفق البعيد..
والصبر الجميل هو الصبر المطمئن، الذي لا يصاحبه السخط ولا القلق ولا الشك في صدق الوعد. صبر الواثق من العاقبة، الراضي بقدر الله، الشاعر بحكمته من وراء الابتلاء، الموصول بالله المحتسب كل شيء عنده مما يقع به.
وهذا اللون من الصبر هو الجدير بصاحب الدعوة. فهي
nindex.php?page=treesubj&link=32023دعوة الله، وهي دعوة إلى الله. ليس له هو منها شيء. وليس له وراءها من غاية. فكل ما يلقاه فيها فهو في سبيل الله، وكل ما يقع في شأنها هو من أمر الله. فالصبر الجميل إذن ينبعث متناسقا مع هذه الحقيقة، ومع الشعور بها في أعماق الضمير.
والله صاحب الدعوة التي يقف لها المكذبون، وصاحب الوعد الذي يستعجلون به ويكذبون، يقدر الأحداث ويقدر مواقيتها كما يشاء وفق حكمته وتدبيره للكون كله. ولكن البشر لا يعرفون هذا التدبير وذلك التقدير; فيستعجلون. وإذا طال عليهم الأمد يستريبون. وقد يساور القلق أصحاب الدعوة أنفسهم، وتجول في خاطرهم أمنية ورغبة في
nindex.php?page=treesubj&link=18781استعجال الوعد ووقوع الموعود.. عندئذ يجيء مثل هذا التثبيت وهذا التوجيه من الله الخبير:
[ ص: 3697 ] nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فاصبر صبرا جميلا ..
والخطاب هنا للرسول - صلى الله عليه وسلم - تثبيتا لقلبه على ما يلقى من عنت المناوأة والتكذيب. وتقريرا للحقيقة الأخرى: وهي أن تقدير الله للأمور غير تقدير البشر; ومقاييسه المطلقة غير مقاييسهم الصغيرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إنهم يرونه بعيدا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7ونراه قريبا ..
ثم يرسم مشاهد اليوم الذي يقع فيه ذلك العذاب الواقع، الذي يرونه بعيدا ويراه الله قريبا. يرسم مشاهده في مجالي الكون وأغوار النفس. وهي مشاهد تشي بالهول المذهل المزلزل في الكون وفي النفس سواء:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=8يوم تكون السماء كالمهل، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=9وتكون الجبال كالعهن ..
والمهل ذوب المعادن الكدر كدردي الزيت. والعهن هو الصوف المنتفش. والقرآن يقرر في مواضع مختلفة أن أحداثا كونية كبرى ستقع في هذا اليوم، تغير أوضاع الأجرام الكونية وصفاتها ونسبها وروابطها. ومن هذه الأحداث أن تكون السماء كالمعادن المذابة. وهذه النصوص جديرة بأن يتأملها المشتغلون بالعلوم الطبيعية والفلكية. فمن المرجح عندهم أن
nindex.php?page=treesubj&link=31756_31742_19324الأجرام السماوية مؤلفة من معادن منصهرة إلى الدرجة الغازية - وهي بعد درجة الانصهار والسيولة بمراحل - فلعلها في يوم القيامة ستنطفئ (كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=2وإذا النجوم انكدرت ) وستبرد حتى تصير معادن سائلة! وبهذا تتغير طبيعتها الحالية وهي الطبيعة الغازية!
على أية حال هذا مجرد احتمال ينفع الباحثين في هذه العلوم أن يتدبروه. أما نحن فنقف أمام هذا النص نتملى ذلك المشهد المرهوب، الذي تكون فيه السماء كذوب المعادن الكدر، وتكون فيه الجبال كالصوف الواهن المنتفش. ونتملى ما وراء هذا المشهد من الهول المذهل الذي ينطبع في النفوس، فيعبر عنه القرآن أعمق تعبير:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10ولا يسأل حميم حميما. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=11يبصرونهم. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=12وصاحبته وأخيه. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=13وفصيلته التي تؤويه. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=14ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه .
إن الناس في هم شاغل، لا يدع لأحد منهم أن يتلفت خارج نفسه، ولا يجد فسحة في شعوره لغيره:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10ولا يسأل حميم حميما . فلقد قطع الهول المروع جميع الوشائج، وحبس النفوس على همها لا تتعداه.. وإنهم ليعرضون بعضهم على بعض "يبصرونهم" كأنما عمدا وقصدا! ولكن لكل منهم همه، ولكل ضمير منهم شغله. فلا يهجس في خاطر صديق أن يسأل صديقه عن حاله، ولا أن يسأله عونه. فالكرب يلف الجميع، والهول يغشى الجميع..
فما بال "المجرم"؟ إن الهول ليأخذ بحسه، وإن الرعب ليذهب بنفسه، وإنه ليود لو يفتدي من عذاب يومئذ بأعز الناس عليه، ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة، ويناضل عنهم، ويعيش لهم.. ببنيه. وزوجه. وأخيه، وعشيرته القريبة التي تؤويه وتحميه. بل إن لهفته على النجاة لتفقده الشعور بغيره على الإطلاق، فيود لو يفتدي بمن في الأرض جميعا ثم ينجيه.. وهي صورة للهفة الطاغية والفزع المذهل والرغبة الجامحة في الإفلات! صورة مبطنة بالهول، مغمورة بالكرب، موشاة بالفزع، ترتسم من خلال التعبير القرآني الموحي.
وبينما المجرم في هذه الحال، يتمنى ذلك المحال، يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل، أو كل حديث خادع من النفس. كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=15كلا! إنها لظى. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نزاعة للشوى. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تدعو من أدبر وتولى nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=18وجمع فأوعى ..
إنه مشهد تطير له النفس شعاعا، بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله.. "كلا!" في ردع عن تلك الأماني
[ ص: 3698 ] المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا..
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=15كلا! إنها لظى نار تتلظى وتتحرق
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نزاعة للشوى تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا.. وهي غول مفزعة. ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تدعو من أدبر وتولى nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=18وجمع فأوعى .. تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى. ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها. ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها!
والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير، وعدم الحض على طعام المسكين، وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية.. هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في
مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة. مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر، والتخويف من عاقبته، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله.
وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى، وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة. فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا. وكان كبراء
قريش هم أصحاب هذه المتاجر، وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف. وكان هنالك تكالب على الثراء، وشح النفوس يجعل الفقراء محرومين، واليتامى مضيعين. ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير. وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص; في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء. مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=33513أكل أموال الناس بالباطل، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=33308_19814_33624_33513أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا! ومن
nindex.php?page=treesubj&link=33318الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن! ومن
nindex.php?page=treesubj&link=24717نهر السائل، وقهر اليتيم، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=32486حرمان المساكين ... إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة. فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة. وحب المال، والحرص عليه، وشح النفس به، والرغبة في احتجانه، آفة تساور النفوس مساورة عنيفة، وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها، والتحرر من ربقتها، إلى معارك متلاحقة، وإلى علاج طويل!
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7وَنَرَاهُ قَرِيبًا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=8يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=9وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=11يُبَصَّرُونَهُمْ، يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=12وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=13وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=14وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=15كَلا! إِنَّهَا لَظَى، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نَزَّاعَةً لِلشَّوَى، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=18وَجَمَعَ فَأَوْعَى ..
كَانَتْ حَقِيقَةُ الْآخِرَةِ مِنَ الْحَقَائِقِ الْعَسِيرَةِ الْإِدْرَاكِ عِنْدَ مُشْرِكِي
الْعَرَبِ; وَلَقَدْ لَقِيَتْ مِنْهُمْ مُعَارَضَةً نَفْسِيَّةً عَمِيقَةً، وَكَانُوا يَتَلَقَّوْنَهَا بِغَايَةِ الْعَجَبِ وَالدَّهَشِ وَالِاسْتِغْرَابِ; وَيُنْكِرُونَهَا أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، وَيَتَحَدَّوْنَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُوَرٍ شَتَّى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِهَذَا الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، أَوْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: مَتَى يَكُونُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعَذَابِ هُوَ
النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ: ذَلِكَ سُؤَالُ الْكُفَّارِ عَنْ عَذَابِ اللَّهِ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ.
وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ فَالسُّورَةُ تَحْكِي أَنَّ هُنَاكَ سَائِلًا سَأَلَ وُقُوعَ الْعَذَابِ وَاسْتَعْجَلَهُ. وَتُقَرِّرُ أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ وَاقِعٌ فِعْلًا، لِأَنَّهُ كَائِنٌ فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ مِنْ جِهَةٍ، وَلِأَنَّهُ قَرِيبُ الْوُقُوعِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَأَنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَلَا مَنْعُهُ. فَالسُّؤَالُ عَنْهُ وَاسْتِعْجَالُهُ - وَهُوَ وَاقِعٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ دَافِعٍ - يَبْدُو تَعَاسَةً مِنَ السَّائِلِ الْمُسْتَعْجِلِ; فَرْدًا كَانَ أَوْ مَجْمُوعَةً!
وَهَذَا الْعَذَابُ لِلْكَافِرِينَ.. إِطْلَاقًا.. فَيَدْخُلُ فِيهِ أُولَئِكَ السَّائِلُونَ الْمُسْتَعْجِلُونَ كَمَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ كَافِرٍ. وَهُوَ وَاقِعٌ مِنَ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3ذِي الْمَعَارِجِ .. وَهُوَ تَعْبِيرٌ عَنِ الرِّفْعَةِ وَالتَّعَالِي، كَمَا قَالَ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ..
وَبَعْدَ هَذَا الِافْتِتَاحِ الَّذِي يُقَرِّرُ كَلِمَةَ الْفَصْلِ فِي مَوْضُوعِ الْعَذَابِ، وَوُقُوعِهِ، وَمُسْتَحِقِّيهِ، وَمَصْدَرِهِ، وَعُلُوِّ هَذَا الْمَصْدَرِ وَرِفْعَتِهِ، مِمَّا يَجْعَلُ قَضَاءَهُ أَمْرًا عُلْوِيًّا نَافِذًا لَا مَرَدَّ لَهُ وَلَا دَافِعَ.. بَعْدَ هَذَا أَخَذَ فِي وَصْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي سَيَقَعُ فِيهِ هَذَا الْعَذَابُ، وَالَّذِي يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ وَهُوَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ. وَلَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30455تَقْدِيرَ اللَّهِ غَيْرُ تَقْدِيرِ الْبَشَرِ، وَمَقَايِيسَهُ غَيْرُ مَقَايِيسِهِمْ:
[ ص: 3696 ] nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7وَنَرَاهُ قَرِيبًا ..
وَالْأَرْجَحُ أَنَّ الْيَوْمَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُنَا هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ السِّيَاقَ يَكَادُ يُعَيِّنُ هَذَا الْمَعْنَى. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ تَصْعَدُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَى اللَّهِ. وَالرُّوحُ: الْأَرْجَحُ أَنَّهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى. وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ الْمَلَائِكَةِ لِمَا لَهُ مِنْ شَأْنٍ خَاصٍّ. وَعُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُفْرَدُ كَذَلِكَ بِالذِّكْرِ، إِيحَاءً بِأَهَمِّيَّتِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَخُصُوصِيَّتِهِ، وَهُمْ يَعْرُجُونَ فِي شُؤُونِ هَذَا الْيَوْمِ وَمَهَامِّهِ. وَلَا نَدْرِي نَحْنُ - وَلَمْ نُكَلَّفْ أَنْ نَدْرِيَ - طَبِيعَةَ هَذِهِ الْمَهَامِّ، وَلَا كَيْفَ يَصْعَدُ الْمَلَائِكَةُ، وَلَا إِلَى أَيْنَ يَصْعَدُونَ. فَهَذِهِ كُلُّهَا تَفْصِيلَاتٌ فِي شَأْنِ الْغَيْبِ لَا تَزِيدُ شَيْئًا مِنْ حِكْمَةِ النَّصِّ، وَلَيْسَ لَنَا إِلَيْهَا مِنْ سَبِيلٍ، وَلَيْسَ لَنَا عَلَيْهَا مِنْ دَلِيلٍ. فَحَسْبُنَا أَنْ نَشْعُرَ مِنْ خِلَالِ هَذَا الْمَشْهَدِ بِأَهَمِّيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، الَّذِي يَنْشَغِلُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ بِتَحَرُّكَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِمَهَامِّ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ.
وَأَمَّا
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ .. فَقَدْ تَكُونُ كِنَايَةً عَنْ طُولِ هَذَا الْيَوْمِ كَمَا هُوَ مَأْلُوفٌ فِي التَّعْبِيرِ الْعَرَبِيِّ. وَقَدْ تَعْنِي حَقِيقَةً مُعَيَّنَةً، وَيَكُونُ مِقْدَارُ هَذَا الْيَوْمِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي أَهْلِ الْأَرْضِ فِعْلًا وَهُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ! وَتَصَوُّرُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ قَرِيبٌ جِدًّا الْآنَ. فَإِنَّ يَوْمَنَا الْأَرْضِيَّ هُوَ مِقْيَاسٌ مُسْتَمَدٌّ مِنْ دَوْرَةِ الْأَرْضِ حَوْلَ نَفْسِهَا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً. وَهُنَاكَ نُجُومٌ دَوْرَتُهَا حَوْلَ نَفْسِهَا تَسْتَغْرِقُ مَا يُعَادِلُ يَوْمَنَا هَذَا آلَافَ الْمَرَّاتِ.. وَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ هُنَا. وَلَكِنَّنَا نَذْكُرُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ لِتُقَرِّبَ إِلَى الذِّهْنِ تَصَوُّرَ اخْتِلَافِ الْمَقَايِيسِ بَيْنَ يَوْمٍ وَيَوْمٍ!
وَإِذَا كَانَ يَوْمٌ وَاحِدٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ يُسَاوِي خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30296_28766عَذَابَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَدْ يَرَوْنَهُ هُمْ بَعِيدًا، وَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ قَرِيبٌ. وَمِنْ ثَمَّ يَدْعُو اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19570الصَّبْرِ الْجَمِيلِ عَلَى اسْتِعْجَالِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ بِذَلِكَ الْعَذَابِ الْقَرِيبِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7وَنَرَاهُ قَرِيبًا ..
وَالدَّعْوَةُ إِلَى الصَّبْرِ وَالتَّوْجِيهِ إِلَيْهِ صَاحَبَتْ كُلَّ دَعْوَةٍ، وَتَكَرَّرَتْ لِكُلِّ رَسُولٍ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ. وَهِيَ ضَرُورِيَّةٌ لِثِقَلِ الْعِبْءِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ، وَلِحِفْظِ هَذِهِ النُّفُوسِ مُتَمَاسِكَةً رَاضِيَةً، مَوْصُولَةً بِالْهَدَفِ الْبَعِيدِ، مُتَطَلِّعَةً كَذَلِكَ إِلَى الْأُفُقِ الْبَعِيدِ..
وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ هُوَ الصَّبْرُ الْمُطْمَئِنُّ، الَّذِي لَا يُصَاحِبُهُ السُّخْطُ وَلَا الْقَلَقُ وَلَا الشَّكُّ فِي صِدْقِ الْوَعْدِ. صَبْرَ الْوَاثِقِ مِنَ الْعَاقِبَةِ، الرَّاضِي بِقَدَرِ اللَّهِ، الشَّاعِرِ بِحِكْمَتِهِ مِنْ وَرَاءِ الِابْتِلَاءِ، الْمَوْصُولِ بِاللَّهِ الْمُحْتَسِبِ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مِمَّا يَقَعُ بِهِ.
وَهَذَا اللَّوْنُ مِنَ الصَّبْرِ هُوَ الْجَدِيرُ بِصَاحِبِ الدَّعْوَةِ. فَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=32023دَعْوَةُ اللَّهِ، وَهِيَ دَعْوَةٌ إِلَى اللَّهِ. لَيْسَ لَهُ هُوَ مِنْهَا شَيْءٌ. وَلَيْسَ لَهُ وَرَاءَهَا مِنْ غَايَةٍ. فَكُلُّ مَا يَلْقَاهُ فِيهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُلُّ مَا يَقَعُ فِي شَأْنِهَا هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. فَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ إِذَنْ يَنْبَعِثُ مُتَنَاسِقًا مَعَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَمَعَ الشُّعُورِ بِهَا فِي أَعْمَاقِ الضَّمِيرِ.
وَاللَّهُ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ الَّتِي يَقِفُ لَهَا الْمُكَذِّبُونَ، وَصَاحِبُ الْوَعْدِ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ وَيُكَذِّبُونَ، يُقَدِّرُ الْأَحْدَاثَ وَيُقَدِّرُ مَوَاقِيتَهَا كَمَا يَشَاءُ وَفْقَ حِكْمَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ لِلْكَوْنِ كُلِّهِ. وَلَكِنَّ الْبَشَرَ لَا يَعْرِفُونَ هَذَا التَّدْبِيرَ وَذَلِكَ التَّقْدِيرَ; فَيَسْتَعْجِلُونَ. وَإِذَا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ يَسْتَرِيبُونَ. وَقَدْ يُسَاوِرُ الْقَلَقُ أَصْحَابَ الدَّعْوَةِ أَنْفُسَهُمْ، وَتَجُولُ فِي خَاطِرِهِمْ أُمْنِيَةٌ وَرَغْبَةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18781اسْتِعْجَالِ الْوَعْدِ وَوُقُوعِ الْمَوْعُودِ.. عِنْدَئِذٍ يَجِيءُ مِثْلُ هَذَا التَّثْبِيتِ وَهَذَا التَّوْجِيهِ مِنَ اللَّهِ الْخَبِيرِ:
[ ص: 3697 ] nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا ..
وَالْخِطَابُ هُنَا لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَثْبِيتًا لِقَلْبِهِ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْ عَنَتِ الْمُنَاوَأَةِ وَالتَّكْذِيبِ. وَتَقْرِيرًا لِلْحَقِيقَةِ الْأُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ تَقْدِيرَ اللَّهِ لِلْأُمُورِ غَيْرُ تَقْدِيرِ الْبَشَرِ; وَمَقَايِيسَهُ الْمُطْلَقَةَ غَيْرُ مَقَايِيسِهِمُ الصَّغِيرَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=6إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=7وَنَرَاهُ قَرِيبًا ..
ثُمَّ يَرْسُمُ مَشَاهِدَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ الْعَذَابُ الْوَاقِعُ، الَّذِي يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَيَرَاهُ اللَّهُ قَرِيبًا. يَرْسُمُ مُشَاهِدَهُ فِي مَجَالَيِ الْكَوْنِ وَأَغْوَارِ النَّفْسِ. وَهِيَ مَشَاهِدُ تَشِي بِالْهَوْلِ الْمُذْهِلِ الْمُزَلْزِلِ فِي الْكَوْنِ وَفِي النَّفْسِ سَوَاءً:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=8يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=9وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ..
وَالْمُهْلُ ذَوْبُ الْمَعَادِنِ الْكَدِرُ كَدُرْدِيِّ الزَّيْتِ. وَالْعِهْنُ هُوَ الصُّوفُ الْمُنْتَفِشُ. وَالْقُرْآنُ يُقَرِّرُ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّ أَحْدَاثًا كَوْنِيَّةً كُبْرَى سَتَقَعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ، تُغَيِّرُ أَوْضَاعَ الْأَجْرَامِ الْكَوْنِيَّةِ وَصِفَاتِهَا وَنِسَبَهَا وَرَوَابِطَهَا. وَمِنْ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ كَالْمَعَادِنِ الْمُذَابَةِ. وَهَذِهِ النُّصُوصُ جَدِيرَةٌ بِأَنْ يَتَأَمَّلَهَا الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْفَلَكِيَّةِ. فَمِنَ الْمُرَجَّحِ عِنْدَهُمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31756_31742_19324الْأَجْرَامَ السَّمَاوِيَّةَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ مَعَادِنَ مُنْصَهِرَةٍ إِلَى الدَّرَجَةِ الْغَازِيَّةِ - وَهِيَ بَعْدَ دَرَجَةِ الِانْصِهَارِ وَالسُّيُولَةِ بِمَرَاحِلَ - فَلَعَلَّهَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ سَتَنْطَفِئُ (كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=2وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) وَسَتَبْرُدُ حَتَّى تَصِيرَ مَعَادِنَ سَائِلَةً! وَبِهَذَا تَتَغَيَّرُ طَبِيعَتُهَا الْحَالِيَّةُ وَهِيَ الطَّبِيعَةُ الْغَازِيَّةُ!
عَلَى أَيَّةِ حَالٍ هَذَا مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ يَنْفَعُ الْبَاحِثِينَ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ أَنْ يَتَدَبَّرُوهُ. أَمَّا نَحْنُ فَنَقِفُ أَمَامَ هَذَا النَّصِّ نَتَمَلَّى ذَلِكَ الْمَشْهَدَ الْمَرْهُوبَ، الَّذِي تَكُونُ فِيهِ السَّمَاءُ كَذُوبِ الْمَعَادِنِ الْكَدِرِ، وَتَكُونُ فِيهِ الْجِبَالُ كَالصُّوفِ الْوَاهِنِ الْمُنْتَفِشِ. وَنَتَمَلَّى مَا وَرَاءَ هَذَا الْمَشْهَدِ مِنَ الْهَوْلِ الْمُذْهِلِ الَّذِي يَنْطَبِعُ فِي النُّفُوسِ، فَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْقُرْآنُ أَعْمَقَ تَعْبِيرٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=11يُبَصَّرُونَهُمْ. يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=12وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=13وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=14وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ .
إِنَّ النَّاسَ فِي هَمٍّ شَاغِلٍ، لَا يَدَعُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَلَفَّتَ خَارِجَ نَفْسِهِ، وَلَا يَجِدُ فُسْحَةً فِي شُعُورِهِ لِغَيْرِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا . فَلَقَدْ قَطَعَ الْهَوْلُ الْمُرَوِّعُ جَمِيعَ الْوَشَائِجِ، وَحَبَسَ النُّفُوسَ عَلَى هَمِّهَا لَا تَتَعَدَّاهُ.. وَإِنَّهُمْ لَيُعْرَضُونَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ "يُبَصَّرُونَهُمْ" كَأَنَّمَا عَمْدًا وَقَصْدًا! وَلَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هَمَّهُ، وَلِكُلِّ ضَمِيرٍ مِنْهُمْ شُغْلُهُ. فَلَا يَهْجِسُ فِي خَاطِرِ صَدِيقٍ أَنْ يَسْأَلَ صَدِيقَهُ عَنْ حَالِهِ، وَلَا أَنْ يَسْأَلَهُ عَوْنَهُ. فَالْكَرْبُ يَلُفُّ الْجَمِيعَ، وَالْهَوْلُ يَغْشَى الْجَمِيعَ..
فَمَا بَالُ "الْمُجْرِمِ"؟ إِنَّ الْهَوْلَ لَيَأْخُذُ بِحِسِّهِ، وَإِنَّ الرُّعْبَ لَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّهُ لَيَوَدُّ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِأَعَزِّ النَّاسِ عَلَيْهِ، مِمَّنْ كَانَ يَفْتَدِيهِمْ بِنَفْسِهِ فِي الْحَيَاةِ، وَيُنَاضِلُ عَنْهُمْ، وَيَعِيشُ لَهُمْ.. بِبَنِيهِ. وَزَوْجِهِ. وَأَخِيهِ، وَعَشِيرَتِهِ الْقَرِيبَةِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَتَحْمِيهِ. بَلْ إِنَّ لَهْفَتَهُ عَلَى النَّجَاةِ لَتُفْقِدُهُ الشُّعُورَ بِغَيْرِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَيَوَدُّ لَوْ يَفْتَدِي بِمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ.. وَهِيَ صُورَةٌ لِلَّهْفَةِ الطَّاغِيَةِ وَالْفَزَعِ الْمُذْهِلِ وَالرَّغْبَةِ الْجَامِحَةِ فِي الْإِفْلَاتِ! صُورَةٌ مُبَطَّنَةٌ بِالْهَوْلِ، مَغْمُورَةٌ بِالْكَرْبِ، مُوَشَّاةٌ بِالْفَزَعِ، تَرْتَسِمُ مِنْ خِلَالِ التَّعْبِيرِ الْقُرْآنِيِّ الْمُوحِي.
وَبَيْنَمَا الْمُجْرِمُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، يَتَمَنَّى ذَلِكَ الْمُحَالَ، يَسْمَعُ مَا يُيَئِّسُ وَيُقَنِّطُ مِنْ كُلِّ بَارِقَةٍ مِنْ أَمَلٍ، أَوْ كُلِّ حَدِيثٍ خَادِعٍ مِنَ النَّفْسِ. كَمَا يَسْمَعُ الْمَلَأُ جَمِيعًا حَقِيقَةَ الْمَوْقِفِ وَمَا يَجْرِي فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=15كَلا! إِنَّهَا لَظَى. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نَزَّاعَةً لِلشَّوَى. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=18وَجَمَعَ فَأَوْعَى ..
إِنَّهُ مَشْهَدٌ تَطِيرُ لَهُ النَّفْسُ شُعَاعًا، بَعْدَ مَا أَذْهَلَهَا كَرْبُ الْمَوْقِفِ وَهَوْلُهُ.. "كَلَّا!" فِي رَدْعٍ عَنْ تِلْكَ الْأَمَانِيِّ
[ ص: 3698 ] الْمُسْتَحِيلَةِ فِي الِافْتِدَاءِ بِالْبَنِينَ وَالزَّوْجِ وَالْأَخِ وَالْعَشِيرَةِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا..
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=15كَلا! إِنَّهَا لَظَى نَارٌ تَتَلَظَّى وَتَتَحَرَّقُ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=16نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَنْزِعُ الْجُلُودَ عَنِ الْوُجُوهِ وَالرُّؤُوسِ نَزْعًا.. وَهِيَ غُولٌ مُفْزِعَةٌ. ذَاتُ نَفْسِ حَيَّةٍ تُشَارِكُ فِي الْهَوْلِ وَالْعَذَابِ عَنْ إِرَادَةٍ وَقَصْدٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=18وَجَمَعَ فَأَوْعَى .. تَدْعُوهُ كَمَا كَانَ يُدْعَى مِنْ قَبْلُ إِلَى الْهُدَى فَيُدْبِرُ وَيَتَوَلَّى. وَلَكِنَّهُ الْيَوْمَ إِذْ تَدْعُوهُ جَهَنَّمُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُدْبِرَ وَيَتَوَلَّى! وَلَقَدْ كَانَ مِنْ قَبْلُ مَشْغُولًا عَنِ الدَّعْوَةِ بِجَمْعِ الْمَالِ وَحِفْظِهِ فِي الْأَوْعِيَةِ! فَأَمَّا الْيَوْمَ فَالدَّعْوَةُ مِنْ جَهَنَّمَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَلْهُوَ عَنْهَا. وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْتَدِيَ بِمَا فِي الْأَرْضِ كُلِّهِ مِنْهَا!
وَالتَّوْكِيدُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَالسُّورَةِ السَّابِقَةِ قَبْلَهَا وَفِي سُورَةِ الْقَلَمِ كَذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الْخَيْرِ، وَعَدَمِ الْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَجَمْعِ الْمَالِ فِي الْأَوْعِيَةِ إِلَى جَانِبِ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْمَعْصِيَةِ.. هَذَا التَّوْكِيدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ تُوَاجِهُ فِي
مَكَّةَ حَالَاتٍ خَاصَّةً يَجْتَمِعُ فِيهَا الْبُخْلُ وَالْحِرْصُ وَالْجَشَعُ إِلَى الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ وَالضَّلَالَةِ. مِمَّا اقْتَضَى تَكْرَارَ الْإِشَارَةِ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَالتَّخْوِيفِ مِنْ عَاقِبَتِهِ، بِوَصْفِهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَذَابِ بَعْدَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ بِاللَّهِ.
وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ إِشَارَاتٌ أُخْرَى تُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى، وَتُؤَكِّدُ مَلَامِحَ الْبِيئَةِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تُوَاجِهُهَا الدَّعْوَةُ. فَقَدْ كَانَتْ بِيئَةً مَشْغُولَةً بِجَمْعِ الْمَالِ مِنَ التِّجَارَةِ وَمِنَ الرِّبَا. وَكَانَ كُبَرَاءُ
قُرَيْشٍ هُمْ أَصْحَابَ هَذِهِ الْمَتَاجِرِ، وَأَصْحَابَ الْقَوَافِلِ فِي رِحْلَتَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَكَانَ هُنَالِكَ تَكَالُبٌ عَلَى الثَّرَاءِ، وَشُحُّ النُّفُوسِ يَجْعَلُ الْفُقَرَاءَ مَحْرُومِينَ، وَالْيَتَامَى مُضَيَّعِينَ. وَمِنْ ثَمَّ تَكَرَّرَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَتَكَرَّرَ التَّحْذِيرُ. وَظَلَّ الْقُرْآنُ يُعَالِجُ هَذَا الْجَشَعَ وَهَذَا الْحِرْصَ وَيَخُوضُ هَذِهِ الْمَعْرَكَةَ مَعَ الْجَشَعِ وَالْحِرْصِ; فِي أَغْوَارِ النَّفْسِ وَدُرُوبِهَا قَبْلَ الْفَتْحِ وَبَعْدَهُ عَلَى السَّوَاءِ. مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ يَتَتَبَّعُ التَّحْذِيرَ مِنَ الرِّبَا، وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33513أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33308_19814_33624_33513أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا! وَمِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33318الْجَوْرِ عَلَى الْيَتِيمَاتِ وَاحْتِجَازِهِنَّ لِلزَّوَاجِ الْجَائِرِ رَغْبَةً فِي أَمْوَالِهِنَّ! وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24717نَهْرِ السَّائِلِ، وَقَهْرِ الْيَتِيمِ، وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32486حِرْمَانِ الْمَسَاكِينِ ... إِلَى آخِرِ هَذِهِ الْحَمَلَاتِ الْمُتَتَابِعَةِ الْعَنِيفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ مَلَامِحِ الْبِيئَةِ. فَضْلًا عَلَى أَنَّهَا تَوْجِيهَاتٌ دَائِمَةٌ لِعِلَاجِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي كُلِّ بِيئَةٍ. وَحُبُّ الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ، وَشُحُّ النَّفْسِ بِهِ، وَالرَّغْبَةُ فِي احْتِجَانِهِ، آفَةٌ تُسَاوِرُ النُّفُوسَ مُسَاوَرَةً عَنِيفَةً، وَتَحْتَاجُ لِلِانْطِلَاقِ مِنْ إِسَارِهَا وَالتَّخَلُّصِ مِنْ أَوْهَاقِهَا، وَالتَّحَرُّرِ مِنْ رِبْقَتِهَا، إِلَى مَعَارِكَ مُتَلَاحِقَةٍ، وَإِلَى عِلَاجٍ طَوِيلٍ!