وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون
وإني مرسلة إليهم بهدية تقرير لرأيها بعدما زيفت آراءهم ، وأتت بالجملة الاسمية الدالة على الثبات المصدرة بحرف التحقيق للإيذان بأنها مزمعة على رأيها لا يلويها عنه صارف ولا يثنيها عاطف ، أي : وإني مرسلة إليهم رسلا بهدية عظيمة فناظرة بم يرجع المرسلون حتى أعمل بما يقتضيه الحال . روي أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري ، وحليهن الأساور والأطواق والقرطة ، راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر ، وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان ، وألف لبنة من ذهب وفضة ، وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع والمسك والعنبر ، وحقا فيه درة عذراء ، وجزعة معوجة الثقب ، وبعثت رجلا من أشراف قومها "المنذر بن عمرو" ، وآخر ذا رأي وعقل ، وقالت : إن كان نبيا ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة نقبا مستويا وسلك في الخرزة خيطا ، ثم قالت للمنذر : إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك [ ص: 285 ] وإن رأيته بشاص لطيفا فهو نبي . فأقبل الهدهد فأخبر سليمان عليه السلام بذلك فأمر الجن فضربوا لبن الذهب والفضة وفرشوه في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ ، وجعلوا حول الميدان حائطا شرفاته من الذهب والفضة ، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبن ، وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا على اليمين واليسار ، ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه واصطفت الشياطين صفوفا فراسخ والإنس صفوفا فراسخ والوحش والسباع والطيور والهوام كذلك ، فلما دنا القوم ونظروا بهتوا ورأوا الدواب تروث على اللبن فتقاصرت إليهم نفوسهم ورموا بما معهم ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم بوجه طلق وقال : ما وراءكم ؟ وقال : أين الحق ؟ وأخبره جبريل عليهما السلام بما فيه فقال لهم : إن فيه كذا وكذا ، ثم أمر بالأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة فجعل رزقها في الشجرة ، وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت في الجزعة فجعل رزقها في الفواكه ، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها ، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه .