[ ص: 366 ] قوله عز وجل
nindex.php?page=treesubj&link=1886_1900_28662_28734_29687_29747_33133_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون nindex.php?page=treesubj&link=19995_28734_29747_34513_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون nindex.php?page=treesubj&link=19995_28662_28723_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون nindex.php?page=treesubj&link=28662_29687_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون nindex.php?page=treesubj&link=32412_32498_34131_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون nindex.php?page=treesubj&link=29702_30549_32409_34312_34513_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون nindex.php?page=treesubj&link=30532_30549_30550_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون
وقعت "ما" في هذه الآية لما يعقل، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52ما في السماوات يعم ملائكة السماء وما في السحاب وما في الجو من حيوان، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49وما في الأرض من دابة بين، ثم ذكر ملائكة الأرض في قوله: "والملائكة".
وقال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يكون قوله: "والملائكة" هو الذي يعم ملائكة السماوات والأرض، وما قبل ذلك لا يدخل فيه ملك، إنما هو الحيوان أجمع. وقوله: "من فوقهم" يحتمل معنيين: أحدهما الفوقية التي يوصف بها الله تعالى، فهي فوقية القدر والعظمة والقهر والسلطان، والآخر أن يتعلق قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50من فوقهم بقوله: "يخافون"، أي: يخافون عذاب ربهم من فوقهم، وذلك أن عادة عذاب الله للأمم إنما أتى من جهة فوق. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50ويفعلون ما يؤمرون ، أما المؤمنون فبحسب الشرع والطاعة، وأما غيرهم من الحيوان فبالتسخير والقدر الذي يسوقهم إلى ما تقدم من أمر الله تبارك تعالى.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين نهي من الله تبارك وتعالى عن الإشراك به، ومعناها: لا تتخذوا إلهين اثنين فصاعدا بما ينصه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51إنما هو إله واحد ، قالت فرقة: المفعول الأول لـ "تتخذوا" قوله: "إلهين" وقوله: "اثنين" تأكيد وبيان بالعدد، وهذا معروف في كلام
العرب ، أن يبين المعدود بذكر عدده تأكيدا، ومنه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51إله واحد ، لأن لفظة الإله تقتضي الانفراد، وقال قوم منهم: المفعول الثاني محذوف، تقديره: مفردا، أو معبودا، أو مطاعا، ونحو هذا، وقالت فرقة:
[ ص: 367 ] المفعول الأول قوله: "اثنين"، والثاني قوله: "إلهين"، وتقدير الكلام: لا تتخذوا اثنين إلهين، ولا يحتاج إلى اعتذار بالتأكيد، ومثله قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2ألا تتخذوا من دوني وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح ، ففي هذه الآية -على بعض الأقوال- تقديم المفعول الأول لـ "تتخذوا"، وقوله: "فإياي" منصوب بفعل مضمر تقديره: فارهبوا إياي فارهبون، ولا يعمل فيه الفعل الظاهر، لأنه قد عمل في الضمير المتصل به.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52وله ما في السماوات الآية، الواو في قوله: "وله" عاطفة على قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51إله واحد ، وجائز أن تكون واو ابتداء، و"ما" عامة جميع الأشياء مما يعقل ومما لا يعقل، والسماوات هنا كل ما ارتفع من الخلق في جهة فوق، فيدخل فيه العرش والكرسي، و"الدين": الطاعة والملك كما قال
زهير: في دين عمرو وحالت بيننا فدك.
في طاعته وملكه. و "الواصب": الدائم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، وقال الشاعر :
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه ... يوما بذم الدهر أجمع واصبا
[ ص: 368 ] ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت: غيرته الريح تسفي به ... وهزيم رعده واصب
وقالت فرقة: هو من الوصب وهو التعب: أي: وله الدين على تعبه ومشقته. فـ "واصب" -على هذا- جار على النسب، أي: ذا وصب، كما قال:
أضحى فؤادي به فاتنا
وهذا كثير، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: الواصب: الواجب، وهذا نحو قوله: الواصب: الدائم.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52أفغير الله توبيخ ولفظ استفهام، ونصب "غير" بـ "تتقون"، لأنه فعل لم يعمل في سوى "غير" المذكورة.
والواو في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وما بكم يجوز أن تكون واو ابتداء، ويجوز أن تكون واو الحال ويكون الكلام متصلا بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52أفغير الله تتقون ، كأنه يقول على جهة التوبيخ: أتتقون غير الله ولا منعم عليكم سواه؟ والباء في قوله: "بكم" متعلقة بفعل تقديره: وما نزل أو ألم، ونحو هذا، و"ما" بمعنى "الذي"، والفاء في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53فمن الله دخلت بسبب الإبهام الذي في "ما" التي هي بمعنى "الذي"، فأشبه الكلام الشرط، ومعنى الآية التذكير بأن الإنسان في جليل أمره ودقيقه إنما هو في نعمة الله
[ ص: 369 ] وأفضاله، إيجاده داخل في ذلك فما بعده، ثم ذكر تعالى بأوقات المرض لكون الإنسان الجاهل يحس فيها قدر الحاجة إلى لطف الله تعالى، و"الضر -وإن كان يعم كل مكروه- فأكثر ما يجيء عبارة عن أرزاء البدن. و"تجأرون" معناه ترفعون أصواتكم باستغاثة وتضرع، وأصله في جؤار الثور والبقرة وصياحهما، وهو عند جهد يلحقها، أو في أثر دم يكون من بقر تذبح، فذلك الصراخ يشبه به انتحاب الداعي المستغيث بالله إذ رفع صوته، ومنه قول
الأعشى :
يراوح من صلوات المليـ ... ـك طورا سجودا وطورا جؤارا
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة :
بأبيل كلما صلى جأر
[ ص: 370 ] والأصوات تأتي غالبا على فعال أو فعيل. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري "تجرون" بفتح الجيم دون همز، حذفت وألقيت حركتها على الجيم، كما خفف تسلون من تسألون.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثم إذا كشف الضر عنكم ، قرأ الجمهور: "كشف"، وقرأ قتادة: "كاشف"، ووجهها أنها فاعل من واحد بمعنى "كشف"، وهي ضعيفة. و"الفريق" هنا يراد به المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالا من شفاء المرضى وجلب الخير ودفع الضر، فهم إذا شفاهم الله عظموا أصنامهم، وأضافوا ذلك الشفاء إليها.
وقوله تعالى: "ليكفروا" يجوز أن تكون اللام لام الصيرورة، أي: فصار أمرهم ليكفروا، وهم لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا، ويجوز أن تكون لام أمر على معنى التهديد والوعيد، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعملوا ما شئتم ، والكفر هنا يحتمل أن يكون كفر الجحد بالله والشرك، ويؤيده قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54بربهم يشركون ، ويحتمل أن يكون كفر النعمة، وهو الأظهر; لقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55ليكفروا بما ، أي: بما أنعمنا عليهم. وقرأ الجمهور: "فتمتعوا فسوف تعلمون" على معنى: قل لهم يا
محمد، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=96أبو رافع عن النبي صلي الله عليه وسلم : "فيمتعوا فسوف يعلمون " بياء من تحت مضمومة، و"فسوف يعلمون" على معنى ذكر الغائب، وكذلك في
الروم، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبي العالية، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : "فتمتعوا" كالجماعة على الأمر "فسوف يعلمون" بالياء على ذكر الغائب، كقراءة
أبي رافع، فيكون "يمتعوا" في قراءة
أبي رافع في موضع نصب عطفا على "يكفروا" إن كانت اللام لام "كي"، ونصبا بالفاء في جواب الأمر إن كانت اللام لام أمر، ومعنى "التمتع" في هذه الآية: بالحياة الدنيا التي مصيرها إلى الفناء والزوال.
[ ص: 366 ] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1886_1900_28662_28734_29687_29747_33133_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19995_28734_29747_34513_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19995_28662_28723_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ nindex.php?page=treesubj&link=28662_29687_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ nindex.php?page=treesubj&link=32412_32498_34131_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=29702_30549_32409_34312_34513_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30532_30549_30550_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
وَقَعَتْ "مَا" فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا يَعْقِلُ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَاجُ : قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52مَا فِي السَّمَاوَاتِ يَعُمُّ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ وَمَا فِي السَّحَابِ وَمَا فِي الْجَوِّ مِنْ حَيَوَانٍ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ بَيِّنٌ، ثُمَّ ذَكَرَ مَلَائِكَةَ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ: "وَالْمَلَائِكَةُ".
وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "وَالْمَلَائِكَةُ" هُوَ الَّذِي يَعُمُّ مَلَائِكَةَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَلَكٌ، إِنَّمَا هُوَ الْحَيَوَانُ أَجْمَعُ. وَقَوْلُهُ: "مِنْ فَوْقِهِمْ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْفَوْقِيَّةٌ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَهِيَ فَوْقِيَّةُ الْقَدَرِ وَالْعَظْمَةِ وَالْقَهْرِ وَالسُّلْطَانِ، وَالْآخَرُ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50مِنْ فَوْقِهِمْ بِقَوْلِهِ: "يَخَافُونَ"، أَيْ: يَخَافُونَ عَذَابَ رَبِّهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ عَادَةَ عَذَابِ اللَّهِ لِلْأُمَمِ إِنَّمَا أَتَى مِنْ جِهَةِ فَوْقٍ. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَبِحَسَبِ الشَّرْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْحَيَوَانِ فَبِالتَّسْخِيرِ وَالْقَدْرِ الَّذِي يَسُوقُهُمْ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِ الْإِشْرَاكِ بِهِ، وَمَعْنَاهَا: لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا بِمَا يَنِصُّهُ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، قَالَتْ فِرْقَةٌ: الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِـ "تَتَّخِذُوا" قَوْلُهُ: "إِلَهَيْنِ" وَقَوْلُهُ: "اثْنَيْنِ" تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ بِالْعَدَدِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ ، أَنْ يُبَيِّنَ الْمَعْدُودَ بِذِكْرِ عَدَدِهِ تَأْكِيدًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51إِلَهٌ وَاحِدٌ ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْإِلَهِ تَقْتَضِي الِانْفِرَادَ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ: الْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: مُفْرَدًا، أَوْ مَعْبُودًا، أَوْ مُطَاعًا، وَنَحْوَ هَذَا، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ:
[ ص: 367 ] الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: "اثْنَيْنِ"، وَالثَّانِي قَوْلُهُ: "إِلَهَيْنِ"، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَا تَتَّخِذُوا اثْنَيْنِ إِلَهَيْنِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اعْتِذَارٍ بِالتَّأْكِيدِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ -عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ- تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ لِـ "تَتَّخِذُوا"، وَقَوْلُهُ: "فَإِيَّايَ" مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: فَارْهَبُوا إِيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْفِعْلُ الظَّاهِرُ، لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ فِي الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ بِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ الْآيَةُ، الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: "وَلَهُ" عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ وَاوَ ابْتِدَاءٍ، وَ"مَا" عَامَّةُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يَعْقِلُ وَمِمَّا لَا يَعْقِلُ، وَالسَّمَاوَاتُ هُنَا كُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْخَلْقِ فِي جِهَةِ فَوْقٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ، وَ"الدِّينُ": الطَّاعَةُ وَالْمُلْكُ كَمَا قَالَ
زُهَيْرٌ: فِي دِينِ عَمْرُو وَحَالَتْ بَيْنَنَا فَدَكُ.
فِي طَاعَتِهِ وَمُلْكِهِ. وَ "الْوَاصِبُ": الدَّائِمُ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وَعِكْرِمَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَاكُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ :
لَا أَبْتَغِي الْحَمْدَ الْقَلِيلَ بَقَاؤُهُ ... يَوْمًا بِذَمِّ الدَّهْرِ أَجْمَعَ وَاصِبًا
[ ص: 368 ] وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=144حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: غَيَّرَتْهُ الرِّيَحُ تَسْفِي بِهِ ... وَهَزِيمٌ رَعْدُهُ وَاصِبُ
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ مِنَ الْوَصْبِ وَهُوَ التَّعَبُ: أَيْ: وَلَهُ الدِّينُ عَلَى تَعَبِهِ وَمَشَقَّتِهِ. فَـ "وَاصِبٌ" -عَلَى هَذَا- جَارٍ عَلَى النَّسَبِ، أَيْ: ذَا وَصَبٍ، كَمَا قَالَ:
أَضْحَى فُؤَادِي بِهِ فَاتِنَا
وَهَذَا كَثِيرٌ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَيْضًا: الْوَاصِبُ: الْوَاجِبُ، وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِهِ: الْوَاصِبُ: الدَّائِمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَوْبِيخٌ وَلَفْظُ اسْتِفْهَامٍ، وَنَصَبَ "غَيْرُ" بِـ "تَتَّقُونَ"، لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَمْ يَعْمَلْ فِي سِوَى "غَيْرِ" الْمَذْكُورَةِ.
وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وَمَا بِكُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ ابْتِدَاءٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ الْحَالِ وَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=52أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ: أَتُتَّقَوْنَ غَيْرَ اللَّهِ وَلَا مُنْعِمَ عَلَيْكُمْ سِوَاهُ؟ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: "بِكُمْ" مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: وَمَا نَزَلَ أَوْ أَلَمَّ، وَنَحْوَ هَذَا، وَ"مَا" بِمَعْنَى "الَّذِي"، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53فَمِنَ اللَّهِ دَخَلَتْ بِسَبَبِ الْإِبْهَامِ الَّذِي فِي "مَا" الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى "الَّذِي"، فَأَشْبَهَ الْكَلَامُ الشَّرْطَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ التَّذْكِيرُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي جَلِيلِ أَمْرِهِ وَدَقِيقِهِ إِنَّمَا هُوَ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ
[ ص: 369 ] وَأَفْضَالِهِ، إِيجَادُهُ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ فَمَا بَعْدَهُ، ثُمَّ ذَكَّرَ تَعَالَى بِأَوْقَاتِ الْمَرَضِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ الْجَاهِلِ يُحِسُّ فِيهَا قَدْرَ الْحَاجَةِ إِلَى لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى، وَ"الضُّرُّ -وَإِنْ كَانَ يَعُمُّ كُلَّ مَكْرُوهِ- فَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ عِبَارَةً عَنْ أَرْزَاءِ الْبَدَنِ. وَ"تَجْأَرُونَ" مَعْنَاهُ تَرْفَعُونَ أَصْوَاتَكُمْ بِاسْتِغَاثَةٍ وَتَضَرُّعٍ، وَأَصْلُهُ فِي جُؤَارِ الثَّوْرِ وَالْبَقَرَةِ وَصِيَاحِهِمَا، وَهُوَ عِنْدُ جُهْدٍ يَلْحَقُهَا، أَوْ فِي أَثَرِ دَمٍ يَكُونُ مِنْ بَقَرٍ تُذْبَحُ، فَذَلِكَ الصُّرَاخُ يُشَبِّهُ بِهِ انْتِحَابَ الدَّاعِي الْمُسْتَغِيثِ بِاللَّهِ إِذْ رَفَعَ صَوْتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْأَعْشَى :
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتٍ الْمَلِيـ ... ـكِ طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارًا
وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ :
بِأَبِيلٍ كُلَّمَا صَلَّى جَأَرْ
[ ص: 370 ] وَالْأَصْوَاتُ تَأْتِي غَالِبًا عَلَى فِعَالٍ أَوْ فَعَيْلٍ. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزَّهْرِيُّ "تَجَرُونَ" بِفَتْحِ الْجِيمِ دُونَ هَمْزٍ، حُذِفَتْ وَأُلْقِيَتْ حَرَكُتُهَا عَلَى الْجِيمِ، كَمَا خُفِّفَ تَسَلُونَ مَنْ تَسْأَلُونَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ: "كَشَفَ"، وَقَرَأَ قَتَادَةٌ: "كَاشِفٌ"، وَوَجْهُهَا أَنَّهَا فَاعِلٌ مِنْ وَاحِدٍ بِمَعْنَى "كَشَفَ"، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ. وَ"الْفَرِيقُ" هُنَا يُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ لِلْأَصْنَامِ أَفْعَالًا مِنْ شِفَاءِ الْمَرَضَى وَجَلْبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الضُّرِّ، فَهُمْ إِذَا شَفَاهُمُ اللَّهُ عَظَّمُوا أَصْنَامَهُمْ، وَأَضَافُوا ذَلِكَ الشِّفَاءَ إِلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "لِيَكْفُرُوا" يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لَامَ الصَّيْرُورَةِ، أَيْ: فَصَارَ أَمْرُهُمْ لِيَكْفُرُوا، وَهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا بِأَفْعَالِهِمْ تِلْكَ أَنْ يَكْفُرُوا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَامَ أَمْرٍ عَلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، وَالْكُفْرُ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُفْرَ الْجُحْدِ بِاللَّهِ وَالشِّرْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُفْرُ النِّعْمَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ; لِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55لِيَكْفُرُوا بِمَا ، أَيْ: بِمَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: "فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" عَلَى مَعْنَى: قُلْ لَهُمْ يَا
مُحَمَّدُ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=96أَبُو رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "فَيُمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " بِيَاءٍ مِنْ تَحْتٍ مَضْمُومَةً، وَ"فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" عَلَى مَعْنَى ذِكْرِ الْغَائِبِ، وَكَذَلِكَ فِي
الرُّومِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11873أَبِي الْعَالِيَةِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ : "فَتَمَتَّعُوا" كَالْجَمَاعَةِ عَلَى الْأَمْرِ "فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" بِالْيَاءِ عَلَى ذِكْرِ الْغَائِبِ، كَقِرَاءَةِ
أَبِي رَافِعٍ، فَيَكُونُ "يُمَتِّعُوا" فِي قِرَاءَةِ
أَبِي رَافِعٍ فِي مَوْضِعٍ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى "يَكْفُرُوا" إِنْ كَانَتِ اللَّامُ لَامَ "كَيْ"، وَنُصْبًا بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ إِنَّ كَانَتِ اللَّامُ لَامَ أَمْرٍ، وَمَعْنَى "التَّمَتُّعِ" فِي هَذِهِ الْآيَةِ: بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي مَصِيرُهَا إِلَى الْفَنَاءِ وَالزَّوَالِ.