قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29687_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير nindex.php?page=treesubj&link=30539_31931_31948_32424_32425_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_32423_32428_32431_33679_34481_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير
الملك: السلطان، ونفوذ الأمر، والإرادة، وجمع الضمير في "لكم" دال على أن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب أمته. والولي: فعيل من ولي إذا جاور ولصق، فالناصر، والمعين، والقائم بالأمر، والحافظ، كلهم مجاور بوجه ما، و"النصير": فعيل من النصر، وهو أشد مبالغة من ناصر.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أم تريدون ، قالت فرقة: "أم" رد على الاستفهام الأول فهي معادلته، وقالت فرقة: "أم" استفهام مقطوع من الأول، كأنه قال: أتريدون؟ وهذا
[ ص: 318 ] موجود في كلام
العرب ، وقالت فرقة: أم هنا بمعنى بل وألف الاستفهام، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي ، وغيره: وهذا يضعف، لأن "أم" لا تقع بمعنى بل إلا إذا اعترض المتكلم شك فيما يورده.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي رحمه الله، لأن "بل" قد تكون للإضراب عن اللفظ الأول لا عن معناه، وإنما يلزم ما قال على أحد معنيي "بل"، وهو الإضراب عن اللفظ والمعنى، ونعم ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : بل هي لترك كلام وأخذ في غيره.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية : إن هذه الآية نزلت حين
قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل بتعجيل العقوبة في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل" وتلا: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=110ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ، فتجيء إضافة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأمة على هذا حسب الأمر في نفسه، وحسب إقرارهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه:
إن رافع بن حريملة اليهودي سأل النبي صلى الله عليه وسلم تفجير عيون وغير ذلك ، وقيل: إن كفار
قريش سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله جهرة ، وقيل: سألوه أن يأتيهم بالله والملائكة قبيلا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : سألوه أن يرد
الصفا ذهبا، فقال لهم: خذوا ذلك كالمائدة لبني إسرائيل ، فأبوا ونكصوا .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله: فتجيء على هذه الأقوال إضافة الرسول إليهم حسب الأمر في نفسه لا على إقرارهم.
وما سئل
موسى عليه السلام هو أن يرى الله جهرة. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن ،
[ ص: 319 ] وغيره "سيل" بكسر السين وياء، وهي لغة يقال: سلت أسال، ويحتمل أن يكون من همز أبدل الهمزة ياء على غير قياس، ثم كسر السين من أجل الياء. وقرأ بعض القراء بتسهيل الهمزة بين الهمزة والياء مع ضم السين. وكني عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر بالتبديل، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية : الكفر هنا الشدة، والإيمان الرخاء، وهذا ضعيف، إلا أن يريدهما مستعارتين أي الشدة على نفسه والرخاء لها عبارة عن العذاب والنعيم. وأما المتعارف من شدة أمور الدنيا ورخائها فلا تفسر الآية به. و"ضل" أخطأ الطريق، و "السواء" من كل شيء الوسط والمعظم، ومنه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=55في سواء الجحيم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16748عيسى بن عمر : "كتبت حتى انقطع سوائي"، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وغيره :
يا ويح أنصار النبي ورهطه بعد المغيب في سواء الملحد
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : هو
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو عندي وهم منه. و"السبيل" عبارة عن الشريعة التي أنزلها الله لعباده، لما كانت كالسبب إلى نيل رحمته كانت كالسبيل إليها.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب ، كثير: مرتفع بـ "ود"، وهو نعت لنكرة، وحذف الموصوف النكرة قليل، ولكن جاز هنا لأنها صفة متمكنة ترفع الإشكال، بمنزلة فريق. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : عنى بـ "كثير" واحد، وهو
كعب بن الأشرف ، وهذا تحامل، وقوله: "يردونكم" يرد عليه، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المراد ابنا
أخطب :
حيي وأبو ياسر .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي الضمن الأتباع فتجيء العبارة متمكنة. و"الكتاب" هنا التوراة. و"لو" هنا بمنزلة "أن" لا تحتاج إلى جواب، وقيل: يتقدر جوابها في "ود"، التقدير: لو يردونكم لودوا ذلك، فـ "ود" دالة على الجواب، لأن من
[ ص: 320 ] شرطه أن يكون متأخرا عن "لو"، و"كفارا" مفعول ثان، ويحتمل أن يكون حالا. و"حسدا" مفعول له، وقيل: هو مصدر في موضع الحال.
واختلف في تعلق قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109من عند أنفسهم فقيل: يتعلق بـ "ود"، لأنه بمعنى ودوا، وقيل: يتعلق بقوله "حسدا"، فالوقف على قوله: "كفارا"، والمعنى على هذين القولين: أنهم لم يجدوا ذلك في كتاب، ولا أمروا به، فهو من تلقائهم. ولفظة الحسد تعطي هذا، فجاء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109من عند أنفسهم تأكيدا وإلزاما كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167يقولون بأفواههم و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79يكتبون الكتاب بأيديهم ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ولا طائر يطير بجناحيه ، وقيل: فيتعلق بقوله: "يردونكم"، فالمعنى: أنهم ودوا الرد بزيادة أن يكون من تلقائهم، أي بإغوائهم وتزيينهم.
واختلف في سبب هذه الآية، فقيل: إن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر أتيا
بيت المدارس ، فأراد اليهود صرفهم عن دينهم فثبتا عليه، ونزلت الآية، وقيل: إنما هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عن متابعة أقوال اليهود في "راعنا" وغيره، وأنهم لا يودون أن ينزل خير، ويودون أن يردوا المؤمنين كفارا.
و"الحق" المراد به في هذه الآية: نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم، وصحة ما المسلمون عليه. وهذه الآية من الظواهر في صحة الكفر عنادا، واختلف أهل السنة في جواز ذلك،
[ ص: 321 ] والصحيح عندي جوازه عقلا وبعده وقوعا، ويترتب في كل آية تقتضيه أن المعرفة تسلب في ثاني حال من العناد. والعفو: ترك العقوبة وهو من عفت الآثار، والصفح: الإعراض عن المذنب كأنه يولي صفحة العنق. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون إلى قوله: "صاغرون". وقيل بقوله: ( اقتلوا المشركين ) وقال قوم: ليس هذا حد المنسوخ لأن هذا في نفس الأمر كان التوقيف على مدته.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا على من يجعل الأمر المنتظر أوامر الشرع، أو قتل
قريظة وإجلاء
النضير ، وأمر من يجعله آجال بني آدم فيترتب النسخ في هذه الآية بعينها لأنه لا يختلف أن
nindex.php?page=treesubj&link=22177آيات الموادعة المطلقة قد نسخت كلها، والنسخ هو مجيء الأمر في هذه المقيدة، وقيل: مجيء الأمر هو فرض القتال، وقيل: قتل
قريظة وإجلاء
النضير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة في هذه الآية: إنها منسوخة بالقتال، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28889كل آية فيها ترك القتال فهي مكية منسوخة، وحكمه بأن هذه الآية مكية ضعيف، لأن معاندات اليهود إنما كانت
بالمدينة .
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109إن الله على كل شيء قدير مقتضاه في هذا الموضوع وعد للمؤمنين.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29687_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهَ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ nindex.php?page=treesubj&link=30539_31931_31948_32424_32425_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_32423_32428_32431_33679_34481_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الْمُلْكُ: السُّلْطَانُ، وَنُفُوذُ الْأَمْرِ، وَالْإِرَادَةِ، وَجَمْعُ الضَّمِيرِ فِي "لَكُمْ" دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِخِطَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطَابُ أُمَّتِهِ. وَالْوَلِيُّ: فَعِيلٌ مِنْ وَلِيَ إِذَا جَاوَرَ وَلَصِقَ، فَالنَّاصِرُ، وَالْمُعِينُ، وَالْقَائِمُ بِالْأَمْرِ، وَالْحَافِظُ، كُلُّهُمْ مُجَاوِرٌ بِوَجْهٍ مَا، وَ"النَّصِيرُ": فَعِيلٌ مِنَ النَّصْرِ، وَهُوَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنْ نَاصَرَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أَمْ تُرِيدُونَ ، قَالَتْ فِرْقَةٌ: "أَمْ" رَدٌّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ فَهِيَ مُعَادَلَتُهُ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: "أَمِ" اسْتِفْهَامٌ مَقْطُوعٌ مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَتُرِيدُونَ؟ وَهَذَا
[ ص: 318 ] مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: أَمْ هُنَا بِمَعْنَى بَلْ وَأَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيٌّ ، وَغَيْرُهُ: وَهَذَا يَضْعُفُ، لِأَنَّ "أَمْ" لَا تَقَعُ بِمَعْنَى بَلْ إِلَّا إِذَا اعْتَرَضَ الْمُتَكَلِّمَ شَكٌّ فِيمَا يُورِدُهُ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ "بَلْ" قَدْ تَكُونُ لِلْإِضْرَابِ عَنِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ لَا عَنْ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالَ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْ "بَلْ"، وَهُوَ الْإِضْرَابُ عَنِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَنَعَمْ مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : بَلْ هِيَ لِتَرْكِ كَلَامٍ وَأَخْذٍ فِي غَيْرِهِ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11873أَبُو الْعَالِيَةِ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حِينَ
قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْتَ ذُنُوبَنَا جَرَتْ مَجْرَى ذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مِمَّا أَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ" وَتَلَا: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=110وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ، فَتَجِيءُ إِضَافَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأُمَّةِ عَلَى هَذَا حَسَبَ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ، وَحَسَبَ إِقْرَارِهِمْ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِنَّ رَافِعَ بْنَ حُرَيْمَلَةَ الْيَهُودِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْجِيرَ عُيُونٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ ، وَقِيلَ: إِنَّ كُفَّارَ
قُرَيْشٍ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِاللَّهِ جَهْرَةً ، وَقِيلَ: سَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : سَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ
الصَّفَا ذَهَبًا، فَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا ذَلِكَ كَالْمَائِدَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَبَوْا وَنَكَصُوا .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَتَجِيءُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ إِضَافَةُ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ حَسَبَ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ لَا عَلَى إِقْرَارِهِمْ.
وَمَا سُئِلَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ أَنْ يَرَى اللَّهَ جَهْرَةً. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ ،
[ ص: 319 ] وَغَيْرُهُ "سِيلَ" بِكَسْرِ السِّينِ وَيَاءٍ، وَهِيَ لُغَةٌ يُقَالُ: سَلْتُ أَسَالُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَمْزٍ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ يَاءً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، ثُمَّ كَسَرَ السِّينَ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ مَعَ ضَمِّ السِّينِ. وَكُنِّيَ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْكُفْرِ بِالتَّبْدِيلِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11873أَبُو الْعَالِيَةِ : الْكُفْرُ هُنَا الشِّدَّةُ، وَالْإِيمَانُ الرَّخَاءُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَهُمَا مُسْتَعَارَتَيْنِ أَيِ الشِّدَّةُ عَلَى نَفْسِهِ وَالرَّخَاءُ لَهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْعَذَابِ وَالنَّعِيمِ. وَأَمَّا الْمُتَعَارَفُ مِنْ شِدَّةِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَرَخَائِهَا فَلَا تُفَسَّرُ الْآيَةُ بِهِ. وَ"ضَلَّ" أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، وَ "السَّوَاءُ" مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الْوَسَطُ وَالْمُعْظَمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=55فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عِيسَى بْنُ عُمَرَ : "كَتَبْتُ حَتَّى انْقَطَعَ سِوَائِي"، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=144حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي رِثَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ :
يَا وَيْحَ أَنْصَارَ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ بَعْدَ الْمَغِيبِ فِي سَوَاءِ الْمَلْحَدِ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ : هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدِي وَهُمْ مِنْهُ. وَ"السَّبِيلُ" عِبَارَةٌ عَنِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ، لَمَّا كَانَتْ كَالسَّبَبِ إِلَى نَيْلِ رَحْمَتِهِ كَانَتْ كَالسَّبِيلِ إِلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، كَثِيرٌ: مُرْتَفِعٌ بـ "وَدَّ"، وَهُوَ نَعْتٌ لِنَكِرَةٍ، وَحَذْفُ الْمَوْصُوفِ النَّكِرَةِ قَلِيلٌ، وَلَكِنْ جَازَ هُنَا لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُتَمَكِّنَةٌ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، بِمَنْزِلَةِ فَرِيقٍ. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : عَنَى بِـ "كَثِيرٌ" وَاحِدٌ، وَهُوَ
كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ ، وَهَذَا تَحَامُلٌ، وَقَوْلُهُ: "يَرُدُّونَكُمْ" يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمُرَادُ ابْنَا
أَخْطُبَ :
حُيَيُّ وَأَبُو يَاسِرٍ .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الضِّمْنِ الْأَتْبَاعُ فَتَجِيءُ الْعِبَارَةُ مُتَمَكِّنَةً. وَ"الْكِتَابُ" هُنَا التَّوْرَاةُ. وَ"لَوَ" هُنَا بِمَنْزِلَةِ "أَنْ" لَا تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، وَقِيلَ: يَتَقَدَّرُ جَوَابُهَا فِي "وَدَّ"، التَّقْدِيرُ: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ لَوَدُّوا ذَلِكَ، فَـ "وَدَّ" دَالَّةٌ عَلَى الْجَوَابِ، لَأَنَّ مَنْ
[ ص: 320 ] شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ "لَوَ"، وَ"كُفَّارًا" مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا. وَ"حَسَدًا" مَفْعُولٌ لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَاخْتَلَفَ فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ فَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بـِ "وَدَّ"، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى وَدُّوا، وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ "حَسَدًا"، فَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: "كُفَّارًا"، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ فِي كِتَابٍ، وَلَا أَمَرُوا بِهِ، فَهُوَ مِنْ تِلْقَائِهِمْ. وَلَفْظَةُ الْحَسَدِ تُعْطِي هَذَا، فَجَاءَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ تَأْكِيدًا وَإِلْزَامًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ، وَقِيلَ: فَيَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: "يَرُدُّونَكُمْ"، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ وَدُّوا الرَّدَّ بِزِيَادَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْقَائِهِمْ، أَيْ بِإِغْوَائِهِمْ وَتَزْيِينِهِمْ.
وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقِيلَ: إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=56وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَتَيَا
بَيْتَ الْمَدَارِسِ ، فَأَرَادَ الْيَهُودُ صَرْفَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ فَثَبَتَا عَلَيْهِ، وَنَزَلَتِ الْآيَةُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ تَابِعَةٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِ اللَّهِ عَنْ مُتَابَعَةِ أَقْوَالِ الْيَهُودِ فِي "رَاعِنَا" وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَوَدُّونَ أَنْ يَنْزِلَ خَيْرٌ، وَيَوَدُّونَ أَنْ يَرُدُّوا الْمُؤْمِنِينَ كُفَّارًا.
وَ"الْحَقُّ" الْمُرَادُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: نُبُوَّةُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِحَّةُ مَا الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الظَّوَاهِرِ فِي صِحَّةِ الْكُفْرِ عِنَادًا، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ،
[ ص: 321 ] وَالصَّحِيحُ عِنْدِي جَوَازُهُ عَقْلًا وَبَعْدَهُ وُقُوعًا، وَيَتَرَتَّبُ فِي كُلِّ آيَةٍ تَقْتَضِيهِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ تُسْلَبُ فِي ثَانِي حَالٍ مِنَ الْعِنَادِ. وَالْعَفْوُ: تَرْكُ الْعُقُوبَةِ وَهُوَ مِنْ عِفَّتِ الْآثَارِ، وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ عَنِ الْمُذْنِبِ كَأَنَّهُ يُوَلِّي صَفْحَةَ الْعُنُقِ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ إِلَى قَوْلِهِ: "صَاغِرُونَ". وَقِيلَ بِقَوْلِهِ: ( اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ هَذَا حَدُّ الْمَنْسُوخِ لِأَنَّ هَذَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَانَ التَّوْقِيفُ عَلَى مُدَّتِهِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَهَذَا عَلَى مَنْ يَجْعَلُ الْأَمْرَ الْمُنْتَظَرَ أَوَامِرَ الشَّرْعِ، أَوْ قَتْلَ
قُرَيْظَةَ وَإِجْلَاءَ
النَّضِيرِ ، وَأَمْرَ مَنْ يَجْعَلُهُ آجَالَ بَنِي آدَمَ فَيَتَرَتَّبُ النَّسْخُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22177آيَاتِ الْمُوَادَعَةِ الْمُطْلَقَةِ قَدْ نُسِخَتْ كُلُّهَا، وَالنَّسْخُ هُوَ مَجِيءُ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْمُقَيَّدَةِ، وَقِيلَ: مَجِيءُ الْأَمْرِ هُوَ فَرْضُ الْقِتَالِ، وَقِيلَ: قَتْلُ
قُرَيْظَةَ وَإِجْلَاءُ
النَّضِيرِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْقِتَالِ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28889كُلَّ آيَةٍ فِيهَا تَرْكُ الْقِتَالِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ مَنْسُوخَةٌ، وَحُكْمُهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ مُعَانَدَاتِ الْيَهُودِ إِنَّمَا كَانَتْ
بِالْمَدِينَةِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مُقْتَضَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ وَعْدُ لِلْمُؤْمِنِينَ.