[ ص: 314 ] قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30880_33387_34307_34310_34483_7920_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل nindex.php?page=treesubj&link=27521_28723_30880_33679_34483_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير
هذه الآية هي بلا اختلاف نازلة عتابا على تخلف من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، غزا فيها الروم في عشرين ألفا بينراكب وراجل، وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون، فالعتاب في هذه الآية هو للقبائل وللمؤمنين الذين كانوا
بالمدينة، وخص الثلاثة:
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية بذلك التذنيب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة إذ هم من أهل
بدر وممن يقتدى بهم، وكان تخلفهم لغير علة كما يأتي.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38ما لكم استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ، وقوله: قيل يريد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صرفه الفعل لا يسمى فاعله يقتضي غلاظا ومخاشنة ما.
والنفر هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث، يقال في ابن آدم: نفر إلى الأمر ينفر نفيرا ونفرا، ويقال في الدابة: نفرت تنفر بضم الفاء نفورا، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثاقلتم أصله تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء فاحتيج إلى ألف الوصل، كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=72فادارأتم وكما تقول: "ازين"، وكما قال الشاعر :
تولي الضجيج إذا ما استافها خصرا ... عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش -فيما حكى
المهدوي وغيره-: "تثاقلتم" على الأصل، وذكرها
أبو [ ص: 315 ] حاتم "تتثاقلتم" بتاءين ثم ثاء مثلثة، وقال: هي خطأ أو غلط، وصوب "تثاقلتم" بتاء واحدة وثاء مثلثة إن لو قرئ بها، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثاقلتم إلى الأرض عبارة عن تخلفهم ونكولهم وتركهم الغزو لسكنى ديارهم والتزام نخلهم وظلالهم، وهو نحو من: أخلد إلى الأرض، وقوله: "أرضيتم" تقرير يقول: أرضيتم نزر الدنيا على خطير الآخرة وحظها الأسعد؟ ثم أخبر فقال: إن الدنيا بالإضافة إلى الآخرة قليل نزر، فتعطي قوة الكلام التعجب من ضلال من يرضى النزر بدل الكثير الباقي.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا الآية،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا يعذبكم شرط وجواب، وقوله: "يعذبكم" لفظ عام يدخل تحته أنواع عذاب الدنيا والآخرة، والتهديد بعمومه أشد تخويفا، وقالت فرقة: يريد: يعذبكم بإمساك المطر عنكم، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة من القبائل فقعدت فأمسك الله عنها المطر وعذبها به، و"أليم" بمعنى مؤلم، بمنزلة قول
عمرو بن معديكرب: أمن ريحانة الداعي السميع ... ......................
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39ويستبدل قوما غيركم توعد بأن يبدل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوما لا يقعدون عند استنفاره إياهم، والضمير في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39ولا تضروه شيئا عائد على الله عز وجل، أي: لا ينقص ذلك من عزه وعز دينه، ويحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أليق.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39والله على كل شيء قدير أي: على كل شيء مقدور، وتبديلهم منه ليس بمحال ممتنع.
[ ص: 314 ] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30880_33387_34307_34310_34483_7920_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ nindex.php?page=treesubj&link=27521_28723_30880_33679_34483_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ بِلَا اخْتِلَافٍ نَازِلَةٌ عِتَابًا عَلَى تَخَلُّفِ مَنْ تَخْلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ، وَكَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ بِعَامٍ، غَزَا فِيهَا الرُّومَ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا بَيْنَرَاكِبٍ وَرَاجِلٍ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ قَبَائِلُ مِنَ النَّاسِ وَرِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَثِيرُ وَمُنَافِقُونَ، فَالْعِتَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ لِلْقَبَائِلِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا
بِالْمَدِينَةِ، وَخَصَّ الثَّلَاثَةَ:
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ ، وَمَرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ بِذَلِكَ التَّذْنِيبِ الشَّدِيدِ بِحَسَبِ مَكَانِهِمْ مِنَ الصُّحْبَةِ إِذْ هُمْ مِنْ أَهْلِ
بَدْرٍ وَمِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَكَانَ تَخَلُّفُهُمْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ كَمَا يَأْتِي.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38مَا لَكُمْ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ، وَقَوْلُهُ: قِيلَ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ صَرْفَهُ الْفِعْلَ لَا يُسَمَّى فَاعِلُهُ يَقْتَضِي غِلَاظًا وَمُخَاشَنَةً مَا.
وَالنَّفْرُ هُوَ التَّنَقُّلُ بِسُرْعَةٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ، يُقَالُ فِي ابْنِ آدَمَ: نَفَرَ إِلَى الْأَمْرِ يَنْفِرُ نَفِيرًا وَنَفْرًا، وَيُقَالُ فِي الدَّابَّةِ: نَفَرَتْ تَنْفُرُ بِضَمِّ الْفَاءِ نُفُورًا، وَقَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثَّاقَلْتُمْ أَصْلُهُ تَثَاقَلْتُمْ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الثَّاءِ فَاحْتِيجَ إِلَى أَلِفِ الْوَصْلِ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=72فَادَّارَأْتُمْ وَكَمَا تَقُولُ: "ازَّيَّنَ"، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
تُولِي الضَّجِيجَ إِذَا مَا اسْتَافَهَا خَصِرًا ... عَذْبَ الْمَذَاقِ إِذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَلُ
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ -فِيمَا حَكَى
الْمَهْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ-: "تَثَاقَلْتُمْ" عَلَى الْأَصْلِ، وَذَكَرَهَا
أَبُو [ ص: 315 ] حَاتِمٍ "تَتَثَاقَلْتُمْ" بِتَاءَيْنِ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ، وَقَالَ: هِيَ خَطَأٌ أَوْ غَلَطٌ، وَصَوَّبَ "تَثَاقَلْتُمْ" بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ إِنْ لَوْ قُرِئَ بِهَا، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ تَخَلُّفِهِمْ وَنُكُولِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْغَزْوَ لِسُكْنَى دِيَارِهِمْ وَالْتِزَامِ نَخْلِهِمْ وَظِلَالِهِمْ، وَهُوَ نَحْوُ مَنْ: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ: "أَرَضِيتُمْ" تَقْرِيرٌ يَقُولُ: أَرْضِيتُمْ نَزْرَ الدُّنْيَا عَلَى خَطِيرِ الْآخِرَةِ وَحَظِّهَا الْأَسْعَدِ؟ ثُمَّ أَخْبَرَ فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْآخِرَةِ قَلِيلٌ نَزْرٌ، فَتُعْطِي قُوَّةُ الْكَلَامِ التَّعَجُّبَ مِنْ ضَلَالِ مَنْ يَرْضَى النَّزْرَ بَدَلَ الْكَثِيرِ الْبَاقِي.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلا تَنْفِرُوا الْآيَةُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ شَرْطٌ وَجَوَابٌ، وَقَوْلُهُ: "يُعَذِّبْكُمْ" لَفْظٌ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعُ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالتَّهْدِيدُ بِعُمُومِهِ أَشَدُّ تَخْوِيفًا، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: يُرِيدُ: يُعَذِّبُكُمْ بِإِمْسَاكِ الْمَطَرِ عَنْكُمْ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ:
اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ فَقَعَدَتْ فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهَا الْمَطَرَ وَعَذَّبَهَا بِهِ، وَ"أَلِيمٌ" بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ
عَمْرِو بْنِ مَعْدِيَكْرِبَ: أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعِ ... ......................
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ تَوَعُّدٌ بِأَنْ يُبَدِّلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا لَا يَقْعُدُونَ عِنْدَ اسْتِنْفَارِهِ إِيَّاهُمْ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَيْ: لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ عِزِّهِ وَعِزِّ دِينِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَلْيَقُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مَقْدُورٌ، وَتَبْدِيلُهُمْ مِنْهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ مُمْتَنِعٍ.