قوله - عز وجل -:
nindex.php?page=treesubj&link=1357_19246_19248_1926_30578_34254_34325_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين nindex.php?page=treesubj&link=30578_32211_32412_32413_34384_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون
هذا خطاب عام لجميع العالم؛ وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي
العرب فيها.
[ ص: 549 ] و"الزينة"؛ ههنا: الثياب الساترة؛ قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : الشملة من الزينة.
قال
القاضي أبو محمد - رحمه الله -: ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة؛ والسواك؛ وبدل الثياب؛ وكل ما وجد استحسانه في الشريعة؛ ولم يقصد به مستعمله الخيلاء.
و
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31عند كل مسجد ؛ عند كل موضع سجود؛ فهي إشارة إلى الصلوات؛ وستر العورة فيها؛ هذا هو مهم الأمر؛ ويدخل مع الصلاة مواطن الخير كلها؛ ومع ستر العورة ما ذكرناه من الطيب للجمعة؛ وغير ذلك؛ وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي حديثا أن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31خذوا زينتكم ؛ صلوا في النعال؛ وما أحسبه يصح.
وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وكلوا واشربوا ؛ نهي عما كانوا التزموه من تحريم اللحم؛ والودك؛ في أيام الموسم؛ قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد ؛ وتدخل مع ذلك أيضا البحيرة؛ والسائبة؛ ونحو ذلك؛ وقد نص على ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ؛ وقال: إن البحيرة؛ وما جانسها؛ هي المراد بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32والطيبات من الرزق .
وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31ولا تسرفوا ؛ معناه: "ولا تفرطوا"؛ قال أهل التأويل: يريد: "ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرم الله - عز وجل"؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -: ليس في الحلال سرف؛ إنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال
القاضي أبو محمد - رحمه الله -: يريد: "في الحلال القصد"؛ واللفظ يقتضي
nindex.php?page=treesubj&link=19247_19248النهي عن السرف مطلقا؛ فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به؛ حصل من المسرفين؛ وتوجه النهي عليه؛ ومن تلبس بفعل مباح؛ فإن مشى فيه على القصد؛ وأوساط الأمور؛ فحسن؛ وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضا من المسرفين؛ وتوجه النهي عليه؛ مثل ذلك: "أن يفرط الإنسان في شراء ثياب؛ ونحوها؛ ويستنفد في ذلك جل ماله؛ أو يعطي ماله أجمع؛ ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك"؛
[ ص: 550 ] ونحوه؛ فالله - عز وجل - لا يحب شيئا من هذا؛ وقد نهت الشريعة عنه؛ ولذلك وقف النبي - عليه الصلاة والسلام - بالموصي عند الثلث؛ وقال بعض العلماء: لو حط الناس إلى الربع لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: "والثلث كثير"؛ وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في هذه الآية -: أحل الله تعالى الأكل والشرب؛ ما لم يكن سرفا؛ أو مخيلة.
وأمر الله - عز وجل - نبيه - عليه الصلاة والسلام - أن يسألهم عمن حرم ما أحل الله تعالى ؛ على جهة التوبيخ والتقرير؛ وليس يقتضي هذا السؤال جوابا؛ وإنما المراد منه التوقيف على سوء الفعل؛ وذكر بعض الناس أن السؤال والجواب جاءا في هذه الآية من جهة واحدة؛ وتخيل قوله - تبارك وتعالى -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل هي للذين آمنوا جوابا.
قال
القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا نظر فاسد؛ ليس ذلك بجواب السؤال؛ ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جوابا؛ و"زينة الله"؛ هي كل ما اقتضته الشهوة؛ وطلب العلو في الأرض؛ كالمال؛ والبنين؛ وهي الزينة التي فضل الشرع عليها.
وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32والطيبات من الرزق ؛ قال الجمهور: يريد: المحللات؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره: يريد: المستلذات.
قال
القاضي أبو محمد - رحمه الله -: إلا أن ذلك - ولا بد - يشترط فيه أن يكون من الحلال؛ وإنما قاد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات؛ كالوزغ؛ وغيرها؛ فإنه يقول: هي من الخبائث؛ محرمة.
وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة .
قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ؛ وحده: "خالصة"؛ بالرفع؛ والباقون: "خالصة"؛ بالنصب؛ والآية تتأول على معنيين.
أحدهما: أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات في الدنيا هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا؛ وخلوصها أنهم لا يعاقبون عليها؛ ولا يعذبون؛ فقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32في الحياة الدنيا ؛ متعلق بـ "آمنوا"؛ وإلى هذا يشير تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ؛ فإنه قال: "قل
[ ص: 551 ] هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا؛ ينتفعون بها في الدنيا؛ ولا يتبعهم إثمها"؛ وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32 "خالصة"؛ بالرفع؛ خبر "هي"؛ و"للذين"؛ تبيين للخلوص؛ ويصح أن يكون "خالصة"؛ خبرا بعد خبر؛ و"يوم القيامة"؛ يريد به وقت الحساب؛ وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : "قل هي لمن آمن في الحياة الدنيا".
والمعنى الثاني: هو أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات؛ هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا؛ وإن كانت أيضا لغيرهم معهم؛ وهي يوم القيامة خالصة لهم؛ أي لا يشاركهم أحد في استعمالها في الآخرة؛ وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ؛
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد ؛ فقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32في الحياة الدنيا - على هذا التأويل - متعلق بالمحذوف المقدر في قوله - سبحانه -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32للذين آمنوا ؛ كأنه قال: "هي خالصة - أو ثابتة - في الحياة الدنيا للذين آمنوا"؛ و"خالصة"؛ بالرفع؛ خبر بعد خبر؛ أو خبر ابتداء مقدر؛ تقديره: وهي خالصة يوم القيامة؛ و"يوم القيامة"؛ يراد به استمرار الكون في الجنة؛ وأما من نصب "خالصة"؛ فعلى الحال من الذكر الذي في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32للذين آمنوا ؛ والتقدير: "هي ثابتة - أو مستقرة - للذين آمنوا؛ في حال خلوص لهم"؛ والعامل فيها ما في اللام من معنى الفعل؛ في قوله - سبحانه -:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=32للذين ؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي في "الحجة": ويصح أن يتعلق قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32في الحياة الدنيا ؛ بقوله: "حرم"؛ ولا يصح أن يتعلق بـ "زينة" لأنها مصدر قد وصف؛ ويصح أن يتعلق بقوله - تبارك وتعالى -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32أخرج لعباده ؛ ويجوز ذلك وإن فصل بين الصلة والموصول بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل هي للذين آمنوا ؛ لأن ذلك كلام يشد القصة؛ وليس بأجنبي منها جدا؛ كما جاء في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ؛ فقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27وترهقهم ذلة ؛ معطوف على "كسبوا"؛ داخل في الصلة؛ والتعلق بـ "أخرج"؛ هو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش ؛ ويصح أن يتعلق بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32 "والطيبات"؛ ويصح أن يتعلق بقوله - تبارك وتعالى -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32من الرزق ؛ ويصح أن يتعلق بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32 "آمنوا".
قال
القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا الأخير هو أصح الأقوال؛ على هذا التأويل الأول؛ فيما رتبناه هنا؛ وأما على التأويل
[ ص: 552 ] الآخر فيضعف معنى الآية هذه المتعلقات التي ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي ؛ وإنما يظهر أن يتعلق بالمحذوف المقدر في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32للذين آمنوا .
وقوله تعالى "كذلك"؛ تقدير الكلام: أي: "كما فصلنا هذه الأشياء المتقدمة الذكر فكذلك؛ وعلى تلك الصورة؛ نفصل الآيات - أي: "نبين الأمارات؛ والعلامات؛ والهدايات -؛ لقوم لهم علم ينتفعون به"؛ و"نفصل" معناه: نقسم؛ ونبين؛ لأن بيان الأمور المشبهات إنما هو في تقسيمها بالفصول.
قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -:
nindex.php?page=treesubj&link=1357_19246_19248_1926_30578_34254_34325_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ nindex.php?page=treesubj&link=30578_32211_32412_32413_34384_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مَنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
هَذَا خِطَابٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْعَالَمِ؛ وَأُمِرُوا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِسَبَبِ عِصْيَانِ حَاضِرِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ مُشْرِكِي
الْعَرَبِ فِيهَا.
[ ص: 549 ] وَ"اَلزِّينَةُ"؛ هَهُنَا: اَلثِّيَابُ السَّاتِرَةُ؛ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ ؛ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ : اَلشَّمْلَةُ مِنَ الزِّينَةِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَدْخُلُ فِيهَا مَا كَانَ مِنَ الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ؛ وَالسِّوَاكُ؛ وَبِدَلُ الثِّيَابِ؛ وَكُلُّ مَا وُجِدَ اسْتِحْسَانُهُ فِي الشَّرِيعَةِ؛ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ مُسْتَعْمِلُهُ الْخُيَلَاءَ.
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ؛ عِنْدَ كُلِّ مَوْضِعِ سُجُودٍ؛ فَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى الصَّلَوَاتِ؛ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِيهَا؛ هَذَا هُوَ مُهِمُّ الْأَمْرِ؛ وَيَدْخُلُ مَعَ الصَّلَاةِ مَوَاطِنُ الْخَيْرِ كُلُّهَا؛ وَمَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيٌّ حَدِيثًا أَنَّ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31خُذُوا زِينَتَكُمْ ؛ صَلُّوا فِي النِّعَالِ؛ وَمَا أَحْسَبُهُ يَصِحُّ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ؛ نَهْيٌ عَمَّا كَانُوا الْتَزَمُوهُ مِنْ تَحْرِيمِ اللَّحْمِ؛ وَالْوَدَكِ؛ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ؛ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16327وَابْنُ زَيْدٍ ؛ وَتَدْخُلُ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا الْبَحِيرَةُ؛ وَالسَّائِبَةُ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ ؛ وَقَالَ: إِنَّ الْبَحِيرَةَ؛ وَمَا جَانَسَهَا؛ هِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وَلا تُسْرِفُوا ؛ مَعْنَاهُ: "وَلَا تُفَرِّطُوا"؛ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: يُرِيدُ: "وَلَا تُسْرِفُوا بِأَنْ تُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَا لَمْ يُحَرِّمِ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ"؛ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَيْسَ فِي الْحَلَالِ سَرَفٌ؛ إِنَّمَا السَّرَفُ فِي ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُرِيدُ: "فِي الْحَلَالِ الْقَصْدُ"؛ وَاللَّفْظُ يَقْتَضِي
nindex.php?page=treesubj&link=19247_19248النَّهْيَ عَنِ السَّرَفِ مُطْلَقًا؛ فَمَنْ تَلَبَّسَ بِفِعْلِ حَرَامٍ فَتَأَوَّلَ تَلَبُّسَهُ بِهِ؛ حَصَلَ مِنَ الْمُسْرِفِينَ؛ وَتُوُجِّهَ النَّهْيُ عَلَيْهِ؛ وَمَنْ تَلَبَّسَ بِفِعْلِ مُبَاحٍ؛ فَإِنْ مَشَى فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ؛ وَأَوْسَاطِ الْأُمُورِ؛ فَحَسَنٌ؛ وَإِنْ أَفْرَطَ حَتَّى دَخَلَ الضَّرَرُ حَصَلَ أَيْضًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ؛ وَتُوُجِّهَ النَّهْيُ عَلَيْهِ؛ مِثْلُ ذَلِكَ: "أَنْ يُفَرِّطَ الْإِنْسَانُ فِي شِرَاءِ ثِيَابٍ؛ وَنَحْوِهَا؛ وَيَسْتَنْفِدَ فِي ذَلِكَ جُلَّ مَالِهِ؛ أَوْ يُعْطِيَ مَالَهُ أَجْمَعَ؛ وَيُكَابِدَ بِعِيَالِهِ الْفَقْرَ بَعْدَ ذَلِكَ"؛
[ ص: 550 ] وَنَحْوُهُ؛ فَاللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يُحِبُّ شَيْئًا مِنْ هَذَا؛ وَقَدْ نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ؛ وَلِذَلِكَ وَقَفَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمُوصِي عِنْدَ الثُّلُثِ؛ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَوْ حَطَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبُعِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ"؛ وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ -: أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ؛ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا؛ أَوْ مَخْيَلَةً.
وَأَمَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَمَّنْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى ؛ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيرِ؛ وَلَيْسَ يَقْتَضِي هَذَا السُّؤَالُ جَوَابًا؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْقِيفُ عَلَى سُوءِ الْفِعْلِ؛ وَذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ جَاءَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَتُخُيِّلَ قَوْلُهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا جَوَابًا.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا نَظَرٌ فَاسِدٌ؛ لَيْسَ ذَلِكَ بِجَوَابِ السُّؤَالِ؛ وَلَا يَقْتَضِي هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْأَسْئِلَةِ جَوَابًا؛ وَ"زِينَةُ اللَّهِ"؛ هِيَ كُلُّ مَا اقْتَضَتْهُ الشَّهْوَةُ؛ وَطَلَبُ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ؛ كَالْمَالِ؛ وَالْبَنِينَ؛ وَهِيَ الزِّينَةُ الَّتِي فَضَّلَ الشَّرْعَ عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ؛ قَالَ الْجُمْهُورُ: يُرِيدُ: اَلْمُحَلَّلَاتِ؛ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: يُرِيدُ: اَلْمُسْتَلَذَّاتِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ - وَلَا بُدَّ - يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَلَالِ؛ وَإِنَّمَا قَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ إِلَى هَذَا تَحْرِيمُهُ الْمُسْتَقْذَرَاتِ؛ كَالْوَزَغِ؛ وَغَيْرِهَا؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: هِيَ مِنَ الْخَبَائِثِ؛ مُحَرَّمَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعٌ ؛ وَحْدَهُ: "خَالِصَةٌ"؛ بِالرَّفْعِ؛ وَالْبَاقُونَ: "خَالِصَةً"؛ بِالنَّصْبِ؛ وَالْآيَةُ تُتَأَوَّلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ هَذِهِ الطَّيِّبَاتِ الْمَوْجُودَاتِ فِي الدُّنْيَا هِيَ خَالِصَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا؛ وَخُلُوصُهَا أَنَّهُمْ لَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا؛ وَلَا يُعَذَّبُونَ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؛ مُتَعَلِّقٌ بِـ "آمَنُوا"؛ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ تَفْسِيرُ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: "قُلْ
[ ص: 551 ] هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ يَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا؛ وَلَا يَتْبَعُهُمْ إِثْمُهَا"؛ وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32 "خَالِصَةً"؛ بِالرَّفْعِ؛ خَبَرُ "هِيَ"؛ وَ"لِلَّذِينَ"؛ تَبْيِينٌ لِلْخُلُوصِ؛ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ "خَالِصَةٌ"؛ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ؛ وَ"يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؛ يُرِيدُ بِهِ وَقْتَ الْحِسَابِ؛ وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ : "قُلْ هِيَ لِمَنْ آمَنَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا".
وَالْمَعْنَى الثَّانِي: هُوَ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ هَذِهِ الطَّيِّبَاتِ الْمَوْجُودَاتِ؛ هِيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِلَّذِينِ آمَنُوا؛ وَإِنْ كَانَتْ أَيْضًا لِغَيْرِهِمْ مَعَهُمْ؛ وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَالِصَةٌ لَهُمْ؛ أَيْ لَا يُشَارِكُهُمْ أَحَدٌ فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكِ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنِ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةَ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيِّ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنِ جُرَيْجٍ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16327وَابْنِ زَيْدٍ ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا - عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ - مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32لِلَّذِينَ آمَنُوا ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: "هِيَ خَالِصَةٌ - أَوْ ثَابِتَةٌ - فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِلَّذِينِ آمَنُوا"؛ وَ"خَالِصَةٌ"؛ بِالرَّفْعِ؛ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ؛ أَوْ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُقَدَّرٍ؛ تَقْدِيرُهُ: وَهِيَ خَالِصَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَ"يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؛ يُرَادُ بِهِ اسْتِمْرَارُ الْكَوْنِ فِي الْجَنَّةِ؛ وَأَمَّا مَنْ نَصَبَ "خَالِصَةً"؛ فَعَلَى الْحَالِ مِنَ الذِّكْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32لِلَّذِينَ آمَنُوا ؛ وَالتَّقْدِيرُ: "هِيَ ثَابِتَةٌ - أَوْ مُسْتَقِرَّةٌ - لِلَّذِينِ آمَنُوا؛ فِي حَال خُلُوصٍ لَهُمْ"؛ وَالْعَامِلُ فِيهَا مَا فِي اللَّامِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ؛ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=32لِلَّذِينَ ؛ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ فِي "اَلْحُجَّةُ": وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؛ بِقَوْلِهِ: "حَرَّمَ"؛ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "زِينَةَ" لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ قَدْ وُصِفَ؛ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ؛ وَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ فُصِلَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ يَشُدُّ الْقِصَّةَ؛ وَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْهَا جِدًّا؛ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ؛ مَعْطُوفٌ عَلَى "كَسَبُوا"؛ دَاخِلٌ فِي الصِّلَةِ؛ وَالتَّعَلُّقُ بِـ "أَخْرَجَ"؛ هُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13673الْأَخْفَشِ ؛ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32 "وَالطَّيِّبَاتِ"؛ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32مِنَ الرِّزْقِ ؛ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32 "آمَنُوا".
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ؛ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ؛ فِيمَا رَتَّبْنَاهُ هُنَا؛ وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيلِ
[ ص: 552 ] الْآخَرِ فَيُضْعِفُ مَعْنَى الْآيَةِ هَذِهِ الْمُتَعَلِّقَاتُ الَّتِي ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ ؛ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32لِلَّذِينَ آمَنُوا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى "كَذَلِكَ"؛ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: أَيْ: "كَمَا فَصَّلْنَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْمُتَقَدِّمَةَ الذِّكْرِ فَكَذَلِكَ؛ وَعَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ؛ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ - أَيْ: "نُبَيِّنُ الْأَمَارَاتِ؛ وَالْعَلَامَاتِ؛ وَالْهِدَايَاتِ -؛ لِقَوْمٍ لَهُمْ عِلْمٌ يَنْتَفِعُونَ بِهِ"؛ وَ"نُفَصِّلُ" مَعْنَاهُ: نُقَسِّمُ؛ وَنُبَيِّنُ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْأُمُورِ الْمُشَبَّهَاتِ إِنَّمَا هُوَ فِي تَقْسِيمِهَا بِالْفُصُولِ.