قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=19011_19055_19087_28723_29717_32527_34091_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_30526_32528_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا nindex.php?page=treesubj&link=29638_30172_32423_32431_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا nindex.php?page=treesubj&link=30437_30532_30539_34123_34147_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=151أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا
المحبة في الشاهد إرادة يقترن بها استحسان وميل اعتقاد؛ فتكون الأفعال الظاهرة من المحب بحسب ذلك؛ والجهر بالسوء من القول لا يكون من الله تعالى فيه شيء من ذلك؛ أما إنه يريد وقوع الواقع منه؛ ولا يحبه هو في نفسه.
والجهر: كشف الشيء؛ ومنه الجهرة في قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153أرنا الله جهرة ؛ ومنه قولهم: "جهرت البئر"؛ إذا حفرت حتى أخرجت ماءها.
واختلف القراء في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148إلا من ظلم ؛ وقراءة جمهور الناس بضم الظاء؛ وكسر اللام؛ وقرأ
ابن أبي إسحاق ؛
nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك بن مزاحم ؛
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ؛
nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16571وعطاء بن السائب؛ وعبد الأعلى بن عبد الله بن مسلم بن يسار ؛
ومسلم بن يسار؛ وغيرهم: "إلا من ظلم"؛ بفتح الظاء؛ واللام؛ واختلف المتأولون على القراءة بضم الظاء؛ فقالت فرقة: المعنى: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول؛ إلا من ظلم؛ فلا يكره له الجهر به؛ ثم اختلفت هذه الفرقة في كيفية الجهر بالسوء؛ وما هو المباح من ذلك؛ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: هو الرجل يظلم الرجل؛ فلا يدع عليه؛ ولكن ليقل: "اللهم أعني عليه؛ اللهم استخرج لي حقي؛ اللهم حل بيني وبين ما يريد من ظلمي"؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛ وغيره: المباح لمن ظلم أن يدعو على من ظلمه؛ وإن صبر فهو أحسن له؛
[ ص: 55 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ؛ وغيره: هو في الضيف المحول رحله؛ فإنه يجهر للذي لم يكرمه بالسوء من القول؛ فقد رخص له أن يقول فيه؛ وفي هذا نزلت الآية؛ ومقتضاها ذكر الظلم؛ وتبيين الظلامة في ضيافة وغيرها؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : لا بأس
nindex.php?page=treesubj&link=32527لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه؛ ويجهر له بالسوء من القول.
قال
القاضي أبو محمد - رحمه الله -:
فهذه الأقوال على أربع مراتب: قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن؛ دعاء في المدافعة؛ وتلك أقل منازل السوء من القول؛ وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛
nindex.php?page=treesubj&link=19740الدعاء على الظالم بإطلاق في نوع الدعاء؛ وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ؛ ذكر الظلامة والظلم؛ وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ؛ الانتصار بما يوازي الظلامة.
وقال
ابن المستنير: "إلا من ظلم"؛ معناه: إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول؛ كفرا أو نحوه؛ فذلك مباح؛ والآية في الإكراه.
واختلف المتأولون على القراءة بفتح الظاء واللام؛ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : المعنى: إلا من ظلم في قول؛ أو في فعل؛ فاجهروا له بالسوء من القول؛ في معنى النهي عن فعله؛ والتوبيخ؛ والرد عليه؛ قال: وذلك أنه لما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من النار؛ كان ذلك جهرا بالسوء من القول؛ ثم قال لهم بعد ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=147ما يفعل الله بعذابكم ؛ الآية؛ على معنى التأنيس؛ والاستدعاء إلى الشكر؛ والإيمان؛ ثم قال للمؤمنين: ولا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول إلا لمن ظلم في إقامته على النفاق؛ فإنه يقال له: ألست المنافق الكافر الذي لك في الآخرة الدرك الأسفل؟ ونحو هذا من الأقوال؛ وقال قوم: معنى الكلام: ولا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول؛ ثم استثنى استثناء منقطعا؛ تقديره: لكن من ظلم فهو يجهر بالسوء؛ وهو ظالم في ذلك. وإعراب "من" يحتمل في بعض هذه التأويلات النصب؛ ويحتمل الرفع؛ على البدل من "أحد" المقدر؛ و"سميع"؛ "عليم": صفتان لائقتان بالجهر بالسوء؛ وبالظلم أيضا؛ فإنه يعلمه ويجازي عليه.
[ ص: 56 ] ولما ذكر تعالى عذر المظلوم في أن يجهر بالسوء لظالمه؛ أتبع ذلك عرض إبداء الخير وإخفائه؛ والعفو عن السوء وعد عليه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149فإن الله كان عفوا قديرا ؛ وعد إخفاء؛ تقتضيه البلاغة؛ ورغب في العفو؛ إذ ذكر أنها صفته؛ مع القدرة على الانتقام؛ ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها.
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150إن الذين يكفرون بالله ورسله ؛ إلى آخر الآية؛ نزل في اليهود؛ والنصارى؛ لأنهم في كفرهم
بمحمد - عليه الصلاة والسلام - كأنهم قد كفروا بجميع الرسل؛ وكفرهم بالرسل كفر بالله؛ وفرقوا بين الله ورسله؛ في أنهم قالوا: نحن نؤمن بالله؛ ولا نؤمن بفلان؛ وفلان؛ من الأنبياء.
وقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150نؤمن ببعض ونكفر ببعض ؛ قيل: معناه: من الأنبياء؛ وقيل: هو تصديق بعضهم
لمحمد في أنه نبي؛ لكن ليس إلى بني إسرائيل؛ ونحو هذا من تفريقاتهم التي كانت تعنتا وروغانا.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143بين ذلك ؛ أي: بين الإيمان؛ والإسلام؛ والكفر الصريح المجلح؛ ثم أخبر تعالى عنهم أنهم الكافرون حقا؛ لئلا يظن أحد أن ذلك القدر الذي عندهم من الإيمان ينفعهم؛ وباقي الآية وعيد.
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=19011_19055_19087_28723_29717_32527_34091_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مِنَ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_30526_32528_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا nindex.php?page=treesubj&link=29638_30172_32423_32431_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا nindex.php?page=treesubj&link=30437_30532_30539_34123_34147_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=151أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
اَلْمَحَبَّةُ فِي الشَّاهِدِ إِرَادَةٌ يَقْتَرِنُ بِهَا اسْتِحْسَانٌ وَمَيْلُ اعْتِقَادٍ؛ فَتَكُونُ الْأَفْعَالُ الظَّاهِرَةُ مِنَ الْمُحِبِّ بِحَسَبِ ذَلِكَ؛ وَالْجَهْرُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ لَا يَكُونُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ أَمَا إِنَّهُ يُرِيدُ وُقُوعَ الْوَاقِعِ مِنْهُ؛ وَلَا يُحِبُّهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ.
وَالْجَهْرَ: كَشْفُ الشَّيْءِ؛ وَمِنْهُ الْجَهْرَةُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: "جَهَرَتِ الْبِئْرُ"؛ إِذَا حُفِرَتْ حَتَّى أَخْرَجَتْ مَاءَهَا.
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148إِلا مَنْ ظُلِمَ ؛ وَقِرَاءَةُ جُمْهُورِ النَّاسِ بِضَمِّ الظَّاءِ؛ وَكَسْرِ اللَّامِ؛ وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=15944وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَابْنُ جُبَيْرٍ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16571وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ؛ وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ ؛
وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ؛ وَغَيْرُهُمْ: "إِلَّا مَنْ ظَلَمَ"؛ بِفَتْحِ الظَّاءِ؛ وَاللَّامِ؛ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِضَمِّ الظَّاءِ؛ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: اَلْمَعْنَى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ؛ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ؛ فَلَا يُكَرَهُ لَهُ الْجَهْرُ بِهِ؛ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الْجَهْرِ بِالسُّوءِ؛ وَمَا هُوَ الْمُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ: هُوَ الرَّجُلُ يَظْلِمُ الرَّجُلَ؛ فَلَا يَدْعُ عَلَيْهِ؛ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: "اَللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِ؛ اللَّهُمَّ اسْتَخْرِجْ لِي حَقِّي؛ اللَّهُمَّ حُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ ظُلْمِي"؛ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ وَغَيْرُهُ: اَلْمُبَاحُ لِمَنْ ظُلِمَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ؛ وَإِنْ صَبَرَ فَهُوَ أَحْسَنُ لَهُ؛
[ ص: 55 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ ؛ وَغَيْرُهُ: هُوَ فِي الضَّيْفِ الْمُحَوِّلِ رَحْلَهُ؛ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ لِلَّذِي لَمْ يُكْرِمْهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ؛ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ؛ وَفِي هَذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ؛ وَمُقْتَضَاهَا ذِكْرُ الظُّلْمِ؛ وَتَبْيِينُ الظُّلَامَةِ فِي ضِيَافَةٍ وَغَيْرِهَا؛ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ : لَا بَأْسَ
nindex.php?page=treesubj&link=32527لِمَنْ ظُلِمَ أَنْ يَنْتَصِرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِ ظُلْمِهِ؛ وَيَجْهَرَ لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ: قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ؛ دُعَاءٍ فِي الْمُدَافَعَةِ؛ وَتِلْكَ أَقَلُّ مَنَازِلِ السُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ؛ وَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ؛
nindex.php?page=treesubj&link=19740الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ بِإِطْلَاقٍ فِي نَوْعِ الدُّعَاءِ؛ وَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ ؛ ذِكْرِ الظُّلَامَةِ وَالظُّلْمِ؛ وَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ ؛ الِانْتِصَارِ بِمَا يُوَازِي الظُّلَامَةَ.
وَقَالَ
ابْنُ الْمُسْتَنِيرِ: "إِلَّا مَنْ ظُلِمَ"؛ مَعْنَاهُ: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَجْهَرَ بِسُوءٍ مِنَ الْقَوْلِ؛ كُفْرًا أَوْ نَحْوَهُ؛ فَذَلِكَ مُبَاحٌ؛ وَالْآيَةُ فِي الْإِكْرَاهِ.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَاللَّامِ؛ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابْنُ زَيْدٍ : اَلْمَعْنَى: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ فِي قَوْلٍ؛ أَوْ فِي فِعْلٍ؛ فَاجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ؛ فِي مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهِ؛ وَالتَّوْبِيخِ؛ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ؛ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ؛ كَانَ ذَلِكَ جَهْرًا بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=147مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ؛ اَلْآيَةَ؛ عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ؛ وَالِاسْتِدْعَاءِ إِلَى الشُّكْرِ؛ وَالْإِيمَانِ؛ ثُمَّ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَلَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُجْهَرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا لِمَنْ ظَلَمَ فِي إِقَامَتِهِ عَلَى النِّفَاقِ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَلَسْتَ الْمُنَافِقَ الْكَافِرَ الَّذِي لَكَ فِي الْآخِرَةِ الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ؟ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ؛ وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ؛ ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا؛ تَقْدِيرُهُ: لَكِنَّ مَنْ ظَلَمَ فَهُوَ يَجْهَرُ بِالسُّوءِ؛ وَهُوَ ظَالِمٌ فِي ذَلِكَ. وَإِعْرَابُ "مَنْ" يَحْتَمِلُ فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ النَّصْبَ؛ وَيَحْتَمِلُ الرَّفْعَ؛ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ "أَحَدٌ" اَلْمُقَدَّرُ؛ وَ"سَمِيعٌ"؛ "عَلِيمٌ": صِفَتَانِ لَائِقَتَانِ بِالْجَهْرِ بِالسُّوءِ؛ وَبِالظُّلْمِ أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُهُ وَيُجَازِي عَلَيْهِ.
[ ص: 56 ] وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى عُذْرَ الْمَظْلُومِ فِي أَنْ يَجْهَرَ بِالسُّوءِ لِظَالِمِهِ؛ أَتْبَعَ ذَلِكَ عَرْضَ إِبْدَاءِ الْخَيْرِ وَإِخْفَائِهِ؛ وَالْعَفْوُ عَنِ السُّوءِ وَعَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ؛ وَعْدَ إِخْفَاءٍ؛ تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ؛ وَرَغَّبَ فِي الْعَفْوِ؛ إِذْ ذَكَرَ أَنَّهَا صِفَتُهُ؛ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ؛ فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ؛ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ؛ نَزَلَ فِي الْيَهُودِ؛ وَالنَّصَارَى؛ لِأَنَّهُمْ فِي كُفْرِهِمْ
بِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَأَنَّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِجَمِيعِ الرُّسُلِ؛ وَكُفْرُهُمْ بِالرُّسُلِ كُفْرٌ بِاللَّهِ؛ وَفَرَّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ؛ فِي أَنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ؛ وَلَا نُؤْمِنُ بِفُلَانٍ؛ وَفُلَانٍ؛ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
وَقَوْلُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=150نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ: مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؛ وَقِيلَ: هُوَ تَصْدِيقُ بَعْضِهِمْ
لِمُحَمَّدٍ فِي أَنَّهُ نَبِيٌّ؛ لَكِنْ لَيْسَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ وَنَحْوِ هَذَا مِنْ تَفْرِيقَاتِهِمُ الَّتِي كَانَتْ تَعَنُّتًا وَرَوَغَانًا.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143بَيْنَ ذَلِكَ ؛ أَيْ: بَيْنَ الْإِيمَانِ؛ وَالْإِسْلَامِ؛ وَالْكُفْرِ الصَّرِيحِ الْمُجَلَّحِ؛ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا؛ لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي عِنْدَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ يَنْفَعُهُمْ؛ وَبَاقِي الْآيَةِ وَعِيدٌ.