ذلك إشارة إلى المنقوم ، ولا بد من حذف مضاف قبله ، أو قبل "من" تقديره : بشر من أهل ذلك ، أو دين من لعنه الله ، و من لعنه الله في محل الرفع على قولك : هو من لعنه الله ، كقوله تعالى : قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار [الحج : 72] أو في محل الجر على البدل من شر ، وقرئ : "مثوبة" . "ومثوبة" ، ومثالهما : مشورة ، ومشورة . فإن قلت : المثوبة مختصة بالإحسان ، فكيف جاءت في الإساءة؟ قلت : وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله [من الوافر] :
تحية بينهم ضرب وجيع
ومنه فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران : 21] . فإن قلت : المعاقبون من الفريقين هم [ ص: 262 ] اليهود ، فلم شورك بينهم في العقوبة؟ قلت : كان اليهود - لعنوا - يزعمون أن المسلمين ضالون مستوجبون للعقاب ، فقيل لهم : من لعنه الله شر عقوبة في الحقيقة واليقين من أهل الإسلام في زعمكم ودعواكم وعبد الطاغوت عطف على صلة "من" كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت ، وفي قراءة "وعبدوا الطاغوت" ، على المعنى ، وعن أبي "ومن عبدوا" ، وقرئ : "وعابد الطاغوت" عطفا على القردة . "وعابدي" . "وعباد" . "وعبد" . "وعبد" . ومعناه : الغلو في العبودية ، كقولهم : رجل حذر وفطن ، للبليغ في الحذر والفطنة . قال [من الكامل] : ابن مسعود :
أبني لبينى إن أمكم أمة وإن أباكم عبد
وعبد بوزن حطم ، وعبيد ، وعبد - بضمتين - جمع عبيد : وعبدة بوزن كفرة ، وعبد ، وأصله عبدة ، فحذفت التاء للإضافة . أو هو كخدم في جمع خادم ، وعبد وعباد ، وأعبد ، وعبد الطاغوت ، على البناء للمفعول ، وحذف الراجع ، بمعنى : وعبد الطاغوت فيهم ، أو بينهم ، وعبد الطاغوت بمعنى صار الطاغوت معبودا من دون الله ، كقولك "أمر" إذا صار أميرا ، وعبد الطاغوت ، بالجر عطفا على من لعنه الله . فإن قلت : كيف [ ص: 263 ] جاز أن يجعل الله منهم عباد الطاغوت؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أنه خذلهم حتى عبدوه ، والثاني : أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به ، كقوله تعالى : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف : 19] وقيل : الطاغوت : العجل; لأنه معبود من دون الله ، ولأن عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان ، فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت ، وعن - رضي الله عنه - : أطاعوا الكهنة ، وكل من أطاع أحدا في معصية الله فقد عبده ، وقرأ ابن عباس : "الطواغيت" ، وقيل : وجعل منهم القردة الحسن ، والخنازير كفار أهل مائدة أصحاب السبت عيسى ، وقيل : كلا المسخين من أصحاب السبت ، فشبانهم مسخوا قردة ، ومشايخهم مسخوا خنازير ، وروي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون : يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رءوسهم أولئك الملعونون الممسوخون شر مكانا : جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله ، وفيه مبالغة ليست في قولك : أولئك شر وأضل ، لدخوله في باب الكناية التي هي أخت المجاز . نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهرون له الإيمان نفاقا ، فأخبره الله تعالى بشأنهم وأنهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا ، لم يتعلق بهم شيء مما سمعوا به من تذكيرك بآيات الله ومواعظك ، وقوله : "بالكفر" و "به" حالان ، أي : دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ، وتقديره : ملتبسين بالكفر ، وكذلك قوله : "وقد دخلوا"; "وهم قد خرجوا" ولذلك دخلت "قد" تقريبا للماضي في الحال ، ولمعنى آخر : وهو أن أمارات النفاق كانت لائحة عليهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوقعا لإظهار الله ما كتموه ، فدخل حرف التوقع وهو متعلق بقوله : "قالوا آمنا" أي : قالوا ذلك وهذه حالهم .