والسابقون المخلصون الذين سبقوا إلى ما دعاهم الله إليه وشقوا الغبار في عز وجل. وقيل: الناس ثلاثة: فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه، ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا; فهذا السابق المقرب، ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة، ثم تراجع بتوبة; فهذا صاحب اليمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه، ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا، فهذا صاحب الشمال. ما أصحاب الميمنة. ما أصحاب المشأمة؟ تعجيب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة. والمعنى: أي شيء هم؟ والسابقون [ ص: 23 ] السابقون، يريد: والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم، كقوله: وعبد الله عبد الله. وقول طلب مرضاة الله أبي النجم "من الرجز":
..... وشعري شعري
كأنه قال: وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وبراعته، وقد جعل "السابقون" تأكيدا. وأولئك المقربون: خبرا. وليس بذاك، ووقف بعضهم على: والسابقون; وابتدأ: السابقون أولئك المقربون، والصواب أن يوقف على الثاني، لأنه تمام الجملة، وهو في مقابلة: ما أصحاب الميمنة، وما أصحاب المشأمة.
الذين قربت درجاتهم في الجنة من العرش وأعليت مراتبهم. وقرئ: "في جنة النعيم" والثلة: الأمة من الناس الكثيرة. قال: [من الطويل]: المقربون في جنات النعيم
وجاءت إليهم ثلة خندفية بجيش كتيار من السيل مزبد
ومن نسج داود موضونة ........................
وقيل: متواصلة، أدني بعضها من بعض. "متكئين" حال من الضمير في على، وهو العامل فيها، أي: استقروا عليها متكئين "متقابلين" لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض. وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب "مخلدون" مبقون أبدا على شكل الولدان وحد الوصافة لا يتحولون عنه. وقيل: مقرطون، والخلدة: القرط. وقيل: هم أولاد أهل الدنيا: لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها، ولا سيئات فيعاقبوا عليها. روي عن - [ ص: 26 ] رضي الله عنه - وعن علي وفي الحديث: الحسن. "أولاد الكفار خدام أهل الجنة". الأكواب: أوان بلا عرى وخراطيم، والأباريق، ذوات الخراطيم لا يصدعون عنها أي: : بسببها، وحقيقته: لا يصدر صداعهم عنها. أو لا يفرقون عنها. وقرأ "لا يصدعون"، بمعنى: لا يتصدعون لا يتفرقون، كقوله: مجاهد: يومئذ يصدعون [الروم: 43]. ويصدعون، أي: لا يصدع بعضهم بعضا، لا يفرقونهم "يتخيرون" يأخذون خيره وأفضله. "يشتهون" يتمنون. وقرئ: "ولحوم طير" قرئ: "وحور عين" بالرفع على: وفيها حور عين، كبيت الكتاب [من الكامل]:
.............. إلا رواكد جمرهن هباء
ومشجج .............................
أو للعطف على "ولدان"، وبالجر: عطفا على: جنات النعيم، كأنه قال: هم في جنات النعيم، وفاكهة ولحم وحور. أو على أكواب، لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب [ ص: 27 ] ينعمون بأكواب، وبالنصب على: ويؤتون حورا "جزاء" مفعول له، أي: يفعل بهم ذلك كله جزاء بأعمالهم.
سلاما سلاما إما بدل من "قيلا" بدليل قوله: لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما [مريم: 62]. وإما مفعول به ل "قيلا"، بمعنى: لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاما سلاما. والمعنى: أنهم يفشون السلام بينهم، فيسلمون سلاما بعد سلام. وقرئ: "سلام سلام"، على الحكاية.