"حاصبا" ريحا تحصبهم بالحجارة، أي: ترميهم "بسحر" بقطع من الليل، وهو السدس الأخير منه. وقيل: هما سحران، فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه، وأنشد [من الرجز]:
مرت بأعلى السحرين تذأل
وصرف لأنه نكرة. ويقال: لقيته سحرا إذا لقيته في سحر يومه "نعمة" إنعاما، مفعول له من شكر نعمة الله بإيمانه وطاعته ولقد أنذرهم لوط -عليه السلام- "بطشتنا" أخذتنا بالعذاب "فتماروا" فكذبوا "بالنذر" متشاكين فطمسنا أعينهم فمسحناها وجعلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق. روي أنهم لما عالجوا باب لوط -عليه السلام- ليدخلوا قالت الملائكة: خلهم يدخلوا، إنا رسل ربك لن يصلوا إليك [هود: 81] فصفقهم جبريل -عليه السلام- بجناحه صفقة فتركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط "فذوقوا" فقلت لهم: ذوقوا على ألسنة الملائكة "بكرة" أول النهار وباكره، كقوله: "مشرقين"، و "مصبحين". وقرأ -رضي الله عنهما-: (بكرة) غير منصرفة، تقول: أتيته بكرة وغدوة بالتنوين. إذا أردت التنكير، وبغيره إذا عرفت وقصدت [ ص: 662 ] بكرة نهارك وغدوته زيد بن علي عذاب مستقر ثابت قد استقر عليهم إلى أن يفضى بهم إلى عذاب الآخرة. فإن قلت: ما فائدة تكرير قوله: فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ؟ قلت: فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبإ من أنباء الأولين ادكارا واتعاظا، وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا، إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وأن يقرع لهم العصا مرات، ويقعقع لهم الشن تارات; لئلا يغلبهم السهو ولا تستولى عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير، كقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن: 13] عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن، وقوله: ويل يومئذ للمكذبين [المرسلات: 15] عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب. مصورة للأذهان، مذكورة غير منسية في كل أوان.