القراءة بالميتة على الخفة أشيع ; لسلسها على اللسان . و "أحييناها " استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية ، كذلك نسلخ ، ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل ; لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض وليل بأعيانهما ، فعوملا معاملة النكرات في وصفهما بالأفعال ، ونحوه [من الكامل ] :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
وقوله : فمنه يأكلون بتقديم الظرف للدلالة على أن الحب هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ، ويقوم بالارتزاق منه صلاح الإنس ، وإذا قل جاء القحط ووقع الضر ، وإذا فقد جاء الهلاك ونزل البلاء . وقرئ : (وفجرنا ) بالتخفيف والتثقيل ، والفجر والتفجير ، كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى . وقرئ : (ثمره ) بفتحتين وضمتين وضمة وسكون ، والضمير لله تعالى ، والمعنى : ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر "و " من وما عملته أيديهم من [ ص: 177 ] الغرس والسقي والآبار ، وغير ذلك من الأعمال إلى أن بلغ الثمر منتهاه وإبان أكله ، يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه ، وفيه آثار من كد بني آدم ، وأصله من ثمرنا كما قال : وجعلنا ، وفجرنا ، فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريقة الالتفات ، ويجوز أن يرجع إلى النخيل ، وتترك الأعناب غير مرجوع إليها ; لأنه علم أنها في حكم النخيل فيما علق به من أكل ثمره ، ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات ، كما قال [من الرجز ] : رؤبة
فيها خطوط من بياض وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
فقيل له ، فقال : أردت كأن ذاك ، ولك أن تجعل "ما " نافية على أن الثمر خلق الله ، ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه . وقرئ على الوجه الأول ، وما عملت من غير راجع ، وهي في مصاحف أهل الكوفة كذلك ، وفى مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام مع الضمير . "الأزواج " الأجناس والأصناف ومما لا يعلمون ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ، ولا توصلوا إلى معرفتها بطريق من طرق العلم ، ولا يبعد أن يخلق الله تعالى من الخلائق الحيوان والجماد ما لم يجعل للبشر طريقا إلى العلم به ; لأنه لا حاجة بهم في دينهم ودنياهم إلى ذلك العلم ، ولو كانت بهم إليه حاجة لأعلمهم بما لا يعلمون ، كما أعلمهم بوجود ما لا يعلمون . وعن رضي الله عنهما : لم يسمهم . وفى الحديث : ابن عباس فأعلمنا بوجوده وإعداده ولم يعلمنا به ما هو ، ونحوه : "ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعتهم عليه " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [السجدة : 17 ] وفى الإعلام بكثرة ما خلق مما علموه ومما جهلوه ما دل على عظم قدرته واتساع ملكه .