[ ص: 117 ] القرى التي باركنا فيها وهي قرى الشام قرى ظاهرة متواصلة ; يرى بعضها من بعض لتقاربها ، فهي ظاهرة لأعين الناظرين . أو راكبة متن الطريق : ظاهرة للسابلة ; لم تبعد عن مسالكهم حتى تخفى عليهم وقدرنا فيها السير قيل : كان الغادي منهم يقيل في قرية ، والرائح يبيت في قرية إلى أن يبلغ الشام لا يخاف جوعا ولا عطشا ولا عدوا ، ولا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء سيروا فيها وقلنا لهم : سيروا ولا قول ثم ، ولكنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه ; كأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه . فإن قلت : ما معنى قوله : ليالي وأياما ؟ قلت : معناه : سيروا فيها ، إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار ، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات . أو سيروا فيها آمنين لا تخافون . وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت أياما وليالي ، أو سيروا فيها لياليكم وأيامكم مدة أعماركم ، فإنكم في كل حين وزمان ، لا تلقون فيها إلا الأمن . وقرئ : (ربنا باعد بين أسفارنا ) وبعد . (ويا ربنا ) على الدعاء ، بطروا النعمة ، وبشموا من طيب العيش ، وملوا العافية ، فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل البصل والثوم مكان المن والسلوى ، وقالوا : لو كان جنى جناننا أبعد كان أجدر أن نشتهيه ، وتمنوا أن يجعل الله بينهم وبين الشأم مفاوز ليركبوا الرواحل فيها ويتزودوا الأزواد ، فجعل الله لهم الإجابة . وقرئ : (ربنا بعد بين أسفارنا ) وبعد بين أسفارنا على النداء ، وإسناد الفعل إلى بين ورفعه به ، كما تقول : سير فرسخان ، وبوعد بين أسفارنا . وقرئ : (ربنا باعد بين أسفارنا ) و (بين سفرنا ) وبعد ، برفع ربنا على الابتداء ، والمعنى خلاف الأول ، وهو استبعاد مسايرهم على قصرها ودنوها لفرط تنعمهم وترفههم ، كأنهم كانوا يتشاجون على ربهم ويتحازنون عليه "أحاديث " يتحدث الناس بهم ، ويتعجبون من أحوالهم ، وفرقناهم تفريقا اتخذه الناس مثلا مضروبا ، يقولون : ذهبوا أيدي سبأ ، وتفرقوا أيادي سبأ . قال كثير : [من الطويل ] :
أيادي سبا يا عز ما كنت بعدكم فلم يحل بالعينين بعدك منظر
[ ص: 118 ] لحق غسان بالشام ، وأنمار يثرب ، وجذام بتهامة ، والأزد بعمان "صبار " عن المعاصي للنعم .