تراه إذا دار العشي محنفا ويضحى لديه وهو نصران شامس
ويقال في المؤنث نصران، كندمان وندمانة، قاله ، وأنشد: كما سجدت نصرانة لم تحنف سيبويهوالياء في نصراني عنده للمبالغة كما يقال للأحمر أحمري إشارة إلى أنه عريق في وصفه، وقيل : إنها للفرق بين الواحد والجمع، كزنج وزنجي، وروم ورومي، وقيل : النصارى جمع نصرى كمهرى ومهارى حذفت إحدى ياءيه، وقلبت الكسرة فتحة للتخفيف، فقلبت الياء ألفا، وإلى ذلك ذهب وهو اسم لأصحاب الخليل، عيسى عليه السلام، وسموا بذلك لأنهم [ ص: 279 ] نصروه، أو لنصر بعضهم لبعض، وقيل : إن عيسى عليه السلام ولد في بيت لحم بالقدس، ثم سارت به أمه إلى مصر ، ولما بلغ اثني عشر سنة عادت به إلى الشام، وأقامت بقرية ناصرة، وقيل : نصرايا، وقيل : نصرى، وقيل : نصرانة، وقيل : نصران، وعليه الجوهري ، فسمي من معه باسمها، أو أخذ لهم اسم منها، والصابئين هم قوم مدار مذاهبهم على التعصب للروحانيين، واتخاذهم وسائط، ولما لم يتيسر لهم التقرب إليها بأعيانها، والتلقي منها بذواتها، فزعت جماعة منهم إلى هياكلها، فصابئة الروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند مفزعها الثوابت، وجماعة نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع، ولا تبصر، ولا تغني عن أحد شيئا، فالفرقة الأولى هم عبدة الكواكب، والثانية هم عبدة الأصنام، وكل من هاتين الفرقتين أصناف شتى مختلفون في الاعتقادات والتعبدات، والإمام رضي الله تعالى عنه يقول : إنهم ليسوا بعبدة أوثان، وإنما يعظمون النجوم كما تعظم أبو حنيفة الكعبة، وقيل : هم قوم موحدون يعتقدون تأثير النجوم ويقرون ببعض الأنبياء كيحيى عليه السلام، وقيل : إنهم يقرون بالله تعالى، ويقرؤون الزبور، ويعبدون الملائكة ويصلون إلى الكعبة ، وقيل : إلى مهب الجنوب، وقد أخذوا من كل دين شيئا، وفي جواز مناكحتهم وأكل ذبائحهم كلام للفقهاء يطلب في محله، واختلف في اللفظ، فقيل: غير عربي، وقيل: عربي من صبأ بالهمز إذا خرج، أو من صبا معتلا بمعنى مال لخروجهم عن الدين الحق وميلهم إلى الباطل، وقرأ وحده بالياء، وذلك إما على الأصل، أو الإبدال للتخفيف. نافع
من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا أي أحدث من هذه الطوائف إيمانا بالله تعالى وصفاته وأفعاله والنبوات وبالنشأة الثانية على الوجه اللائق، وأتى بعمل صالح حسبما يقتضيه الإيمان بما ذكر، وهذا مبني على أول الأقوال، والقائلون بآخرها منهم من فسر الآية بمن اتصف من أولئك بالإيمان الخالص بالمبدإ والمعاد على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثبات والدوام عليه، كإيمان المخلصين، أو بطريق إحداثه وإنشائه كإيمان من عداهم من المنافقين، وسائر الطوائف، وفائدة التعميم للمخلصين مزيد ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين، ومنهم من فسرها بمن كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقا بقلبه بالمبدإ والمعاد عاملا بمقتضى شرعه، فيعم الحكم المخلصين من أمة صلى الله تعالى عليه وسلم والمنافقين الذين تابوا واليهود والنصارى الذين ماتوا قبل التحريف والنسخ والصابئين الذين ماتوا زمن استقامة أمرهم إن قيل : إن لهم دينا، وكذا يعم اليهود والصابئين، الذين آمنوا بعيسى عليه السلام، وماتوا في زمنه، وكذا من آمن من هؤلاء الفرق بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وفائدة ذكر الذين آمنوا على هذا مع أن الوعيد السابق كان في اليهود لتسكين حمية اليهود بتسوية المؤمنين بهم في أن كون كل في دينه قبل النسخ يوجب الأجر، وبعده يوجب الحرمان، كما أن ذكر الصابئين للتنبيه على أنهم مع كونهم أبين المذكورين ضلالا يتاب عليهم إذا صح منهم الإيمان والعمل الصالح، فغيرهم بالطريق الأولى، وانفهام قبل النسخ من وعمل صالحا إذ لا صلاح في العمل بعده، وهذا هو الموافق لسبب النزول، لا سيما على رواية أن رضي الله تعالى عنه ذكر للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم حسن حال الرهبان الذين صحبهم، فقال : سلمان (ماتوا وهم في النار)، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال عليه الصلاة والسلام : عيسى عليه السلام قبل أن يسمع بي فهو على خير، ومن سمع ولم يؤمن بي فقد هلك). (من مات على دين
والمناسب لعموم اللفظ وعدم صرفه إلى تخصيص الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى بالكفرة منهم [ ص: 280 ] وتخصيص من آمن إلخ، بالدخول في ملة الإسلام، إلا أنه يرد عليه أنه مستلزم أن يكون للصابئين دين، وقد ذكر غير واحد أنه ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات، ففي (الملل والنحل) أن الصبوة في مقابلة الحنيفية، ولميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء، قيل لهم : الصابئة، ولو سلم أنه كان لهم دين سماوي، ثم خرجوا عنه فمن مضى من أهل ذلك الدين قبل خروجهم منه ليسوا من الصابئين، فكيف يمكن إرجاع الضمير الرابط بين اسم إن وخبرها إليهم، على القول المشهور، وارتكاب إرجاعه إلى المجموع من حيث هو مجموع قصدا إلى إدراج الفريق المذكور فيهم ضرورة أن من كان من أهل الكتاب عاملا بمقتضى شرعه قبل نسخه من مجموع أولئك الطوائف بحكم اشتماله على اليهود والنصارى، وإن لم يكن من الصابئين مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه ! على أن فيه بعد ما لا يخفى فتدبر، (ومن) مبتدأ، وجوزوا فيها أن تكون موصولة، والخبر جملة قوله تعالى : فلهم أجرهم عند ربهم ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط كما في قوله تعالى : إن الذين فتنوا الآية، وأن تكون شرطية، وفي خبرها خلاف، هل الشرط أو الجزاء أو هما، وجملة من آمن إلخ، خبر (إن)؟ فإن كانت (من) موصولة وهو الشائع هنا احتيج إلى تقدير منهم عائدا، وإن كانت شرطية لم يحتج إلى تقديره، إذ العموم يغني عنه، كأنه قيل : هؤلاء وغيرهم إذا آمنوا فلهم إلخ، على ما قالوا في قوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وجوز بعضهم أن تكون (من) بدلا من اسم (إن) وخبرها فلهم أجرهم واختار أنها بدل من المعاطيف التي بعد اسم (إن) فيصح إذ ذاك المعنى، وكأنه قيل : إن الذين آمنوا من غير الأصناف الثلاثة، ومن آمن من الأصناف الثلاثة فلهم، إلخ، وقد حملت الضمائر الثلاثة باعتبار معنى الموصول، كما أن إفراد ما في الصلة باعتبار لفظه، وفي البحر: إن هذين الحملين لا يتمان إلا بإعراب (من) مبتدأ، وأما على إعرابها بدلا، فليس فيها إلا حمل على اللفظ فقط، فافهم. أبو حيان
ثم المراد من الأجر الثواب الذي وعدوه على الإيمان والعمل الصالح، فإضافته إليهم واختصاصه بهم بمجرد الوعد، لا بالاستيجاب كما زعمه رعاية للاعتزال، لكن تسميته أجرا لعدم التخلف، ويؤيد ذلك قوله تعالى : الزمخشري عند ربهم المشير إلى أنه لا يضيع، لأنه عند لطيف حفيظ، وهو متعلق بما تعلق به (لهم)، ويحتمل أن يكون حالا من (أجرهم).
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون عطف على جملة فلهم أجرهم وقد تقدم الكلام على مثلها في آخر قصة آدم عليه السلام، فأغنى عن الإعادة هنا،