وقوله تعالى: من الأرض تفسير للمبهم في ماذا خلقوا قيل: والظاهر أن المراد من أجزاء الأرض وبقعها، وجوز أن يكون المراد ما على وجهها من حيوان وغيره بتقدير مضاف يؤدي ذلك، ويجوز أن يراد بالأرض السفليات مطلقا ولعله أولى أم لهم شرك أي شركة مع الله سبحانه في السماوات أي في خلقها، ولعل الأولى فيها أيضا أن تفسر بالعلويات. ( وأم ) جوز أن تكون منقطعة وأن تكون متصلة، والمراد نفي استحقاق آلهتهم للمعبودية على أتم وجه، فقد نفى أولا مدخليتها في خلق شيء من أجزاء العالم السفلي حقيقة واستقلالا، وثانيا مدخليتها على سبيل الشركة في خلق شيء من أجزاء العالم العلوي، ومن المعلوم أن نفي ذلك يستلزم نفي استحقاق المعبودية، وتخصيص الشركة في النظم الجليل بقوله سبحانه: في السماوات مع أنه لا شركة فيها وفي الأرض أيضا لأن القصد إلزامهم بما هو لهم ظاهر لكل أحد والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم وإيجادهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة. وقيل: الأظهر أن تجعل الآية من حذف معادل ( أم ) المتصلة لوجود دليله والتقدير ألهم شرك في الأرض أم لهم شرك في السماوات وهو كما ترى، وقوله تعالى: مسلم ائتوني بكتاب إلى آخره تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلي فهو من جملة القول أي ائتوني بكتاب إلهي كائن من قبل هذا الكتاب أي القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم أو أثارة من علم أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة، فالأثارة مصدر كالضلالة بمعنى البقية من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من لحم أي بقية منه. وقال : هي بمعنى الإسناد والرواية، ومنه قول القرطبي الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما بين للسامع والآثر
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن ، : المعنى أو خاصة من علم فاشتقاقها من الأثرة فكأنها قد آثر الله تعالى بها من هي عنده، وقيل: هي العلامة. وأخرج وقتادة أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طريق وابن مردويه أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ابن عباس أو أثارة من علم قال: الخط، وروي ذلك أيضا موقوفا على ، وفسر بعلم الرمل كما في حديث ابن عباس مرفوعا [ ص: 6 ] أبي هريرة (كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم) .
وفي رواية عن أنه قال: الحبر أو أثارة من علم خط كان يخطه العرب في الأرض، وهذا ظاهر في تقوية أمر علم الرمل وأنه شيء له وجه ويرشد إلى بعض الأمور، وفي ذلك كلام يطلب من محله. وفي البحر قيل: إن صح تفسير الأثارة بالخط على التراب كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم، والتنوين للتقليل ( ومن علم ) صفة أي أو ائتوني بأثارة قليلة كائنة من علم ابن عباس إن كنتم صادقين في دعواكم فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو دليل نقلي وحيث لم يقم عليها شيء منهما وقد قاما على خلافها تبين بطلانها، وقرئ (إثارة) بكسر الهمز وفسرت بالمناظرة فإنها تثير المعاني، قيل: وذلك من باب الاستعارة على تشبيه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان. وقرأ علي رضي الله تعالى عنهم بخلاف عنهما. وابن عباس وزيد بن علي وعكرمة وقتادة والحسن والسلمي والأعمش وعمرو بن ميمون (أثرة) بغير ألف وهي واحدة جمعها أثر كقترة وقتر، كرم الله تعالى وجهه وعلي والسلمي أيضا بإسكان الثاء وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر أي قد قنعت منكم بخبر واحد أو أثر واحد يشهد بصحة قولكم وعن وقتادة ضم الهمزة وإسكان الثاء فهي اسم للمقدار كالغرفة لما يغرف باليد أي ائتوني بشيء ما يؤثر من علم، وروي عنه أيضا أنه قرأ (إثرة) بكسر الهمزة وسكون الثاء وهي بمعنى الأثرة بفتحتين الكسائي