ومن اتبعن عطف على الضمير المتصل في أسلمت وحسن للفصل، أو مفعول معه، وأورد عليهما أنهما يقتضيان اشتراكهم معه صلى الله عليه وسلم في إسلام وجهه وليس المعنى: أسلمت وجهي وهم أسلموا وجوههم إذ لا يصح -أكلت رغيفا وزيدا، وقد أكل كل منهما رغيفا، فالواجب أن يكون (من) مبتدأ والخبر محذوف، أي: ومن اتبعن كذلك، أو يكون معطوفا على الجلالة وإسلامه صلى الله عليه وسلم لمن اتبعه بالحفظ والنصيحة، وأجيب بأن فهم المعنى وعدم الإلباس يسوغ كلا الأمرين ويستغني بذلك عن مئونة الحذف وتكلف خلاف الظاهر جدا، وأثبت الياء في (اتبعني) على الأصل أبو عمرو وحذفها الباقون، وحذفها أحسن لموافقة خط المصحف، وقد جاء الحذف في مثل ذلك كثيرا كقول ونافع، الأعشى:
فهل يمنعني ارتيادي البلا د من حذر الموت أن (يأتين)
وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين عطف على الجملة الشرطية، والمعنى فإن حاجك أهل الكتاب فقابلهم بذلك فإن أجدى فعمم الدعوة وقل للأسود والأحمر أأسلمتم متبعين لي كما فعل المؤمنون فإنه قد جاءكم من الآيات ما يوجبه ويقتضيه أم أنتم على كفركم بآيات الله تعالى وإصراركم على العناد، وهذا كما تقول -إذا لخصت لسائل مسألة ولم تدع من طرق البيان مسلكا إلا سلكته -فهل فهمتها؟ على طرز فهل أنتم منتهون إثر تفصيل الصوارف عن تعاطي ما حرم تعاطيه، وفي ذلك تعيير لهم بالمعاندة وقلة الإنصاف وتوبيخ بالبلادة وجمود القريحة، والكثيرون على أن الاستفهام للتقرير وفي ضمنه الأمر، ووضع الموصول موضع الضمير لرعاية التقابل بين المتعاطفين، والمراد من الأميين الذين لا يكتبون من مشركي العرب، قاله وغيره. ابن عباسفإن أسلموا أي اتصفوا بالإسلام والدين الحق فقد اهتدوا على تضمين معنى الخروج أي اهتدوا خارجين من الضلال كذا قيل، وبعض يفسر الاهتداء باللازم وهو النفع أي فقد نفعوا أنفسهم قالوا: وسبب [ ص: 109 ] إخراجه عن ظاهره أن الإسلام عين الاهتداء فإن فسر على الأصل اتحد الشرط والجزاء، وفيه منع ظاهر.
وإن تولوا أي أعرضوا عن الإسلام ولم يقبلوا فإنما عليك البلاغ قائم مقام الجواب، أي لا يضرك شيئا إذ ما عليك إلا البلاغ وقد أديته على أكمل وجه وأبلغه، وهذا قبل الأمر بالقتال فهو منسوخ بآية السيف، والله بصير بالعباد [ 20 ] تذييل فيه وعد على الإسلام ووعيد على التولي عنه.