nindex.php?page=treesubj&link=1251_30496_32830_842_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وأقم الصلاة أي المكتوبة، ومعنى إقامتها أداؤها على تمامها.
وقيل: المداومة عليها، وقيل: فعلها في أول وقتها
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114طرفي النهار أي أوله وآخره وانتصابه على الظرفية –لأقم- ويضعف كونه ظرفا ووجه انتصابه على ذلك إضافته إلى الظرف
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وزلفا من الليل أي ساعات منه قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث: هي طائفة من أول الليل، وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=13673والأخفش وابن قتيبة: هي مطلق ساعاته وآناؤه وكل ساعة زلفة، وأنشدوا
للعجاج: ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفا فزلفا
سماوة الهلال حتى احقوقفا
وهو عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114طرفي النهار)، و
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114من الليل في موضع الصفة له، والمراد بصلاة الطرفين قيل: صلاة الصبح والعصر، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، واستظهر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان بناء على أن طرف الشيء يقتضي أن يكون من الشيء، والتزم أن أول النهار من الفجر، وقد يطلق طرف الشيء على الملاصق لأوله وآخره مجازا فيمكن اعتبار النهار من طلوع الشمس مع صحة ما ذكروه في صلاة الطرف الأول بجعل التثنية هنا مثلها في قولهم: القلم أحد اللسانين إلا أنه قيل بشذوذ ذلك.
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري- أن المراد صلاة الصبح والمغرب، فإن كان النهار من أول الفجر إلى غروب الشمس فالمغرب طرف مجازا وهو حقيقة طرف الليل، وإن كان من طلوع الشمس إلى غروبها فالصبح كالمغرب طرف مجازي، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي: الطرف الأول الصبح والثاني الظهر والعصر، واختار ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية، وأنت تعلم أن في جعل الظهر من الطرف الثاني خفاء، وإنما الظهر نصف النهار والنصف لا يسمى طرفا إلا بمجاز بعيد، والمراد بصلاة الزلف عند الأكثر صلاة المغرب والعشاء.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن في ذلك خبرا مرفوعا، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه فسر صلاة الزلف بصلاة العتمة وهي ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق وقد تطلق على وقت صلاة العشاء الآخرة، وأغرب من قال: صلاة الطرفين صلاة الظهر والعصر، وصلاة الزلف صلاة المغرب والعشاء والصبح، وقيل: معنى (زلفا) قربا، وحقه على هذا -كما في الكشاف- أن يعطف على الصلاة أي أقم الصلاة طرفي النهار وأقم زلفا من الليل أي صلوات تتقرب بها إلى الله عز وجل، انتهى، قيل: والمراد بها على هذا صلاة العشاء والتهجد وقد كان واجبا عليه عليه الصلاة والسلام أو العشاء، والوتر على ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، أو المجموع كما يقتضيه ظاهر الجمع، وقد تفسر بصلاة المغرب والعشاء -واختاره البعض- وقد جاء إطلاق الجمع على الاثنين فلا حاجة إلى التزام أن ذلك باعتبار أن كل ركعة قربة فتحقق قرب فوق الثلاث فيما ذكر.
وقرأ
طلحة وابن أبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبو جعفر (زلفا) بضم اللام إما على أنه جمع زلفة أيضا ولكن ضمت
[ ص: 157 ] عينه إتباعا لفائه، أو على أنه اسم مفرد كعنق، أو جمع زليف بمعنى زلفة كرغيف ورغف، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وابن محيصن بإسكان اللام كبسر بالضم والسكون في بسرة، وهو على هذا -على ما في البحر- اسم جنس، وفي رواية عنهما أنهما قرآ –زلفى- كحبلى وهو بمعنى زلفة فإن تاء التأنيث وألفه قد يتعاقبان نحو قربى وقربة، وجوز أن تكون هذه الألف بدلا من التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إن الحسنات يذهبن السيئات أي يكفرنها ويذهبن المؤاخذة عليها، وإلا فنفس السيئات أعراض وجدت فانعدمت، وقيل: يمحينها من صحائف الأعمال، ويشهد له بعض الآثار، وقيل: يمنعن من اقترافها كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهو مع بعده في نفسه مخالف للمأثور عن الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم فلا ينبغي أن يعول عليه.
والظاهر أن المراد من الحسنات ما يعم الصلوات المفروضة وغيرها من الطاعات المفروضة وغيرها، وقيل: المراد الفرائض فقط لرواية
nindex.php?page=hadith&LINKID=657352 "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن"، وفيه أنه قد صح من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650738 "إذا أمن الإمام فأمنوا فإن الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"، وفي رواية تفرد بها
يحيى بن نصير -وهو من الثقات- بزيادة، وما تأخر" وصح أن
nindex.php?page=treesubj&link=2546nindex.php?page=hadith&LINKID=702341صيام يوم عرفة تكفر السنة الماضية والمستقبلة، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في السنن بإسناد حسن عن
سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=675428 "من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن لبس ثوبا وقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في تكفير أفعال ليست بمفروضة ذنوبا كثيرة، وقيل: المراد بها الصلوات المفروضة لما في بعض طرق خبر سبب النزول من
أن أبا اليسر من الأنصار قبل امرأة ثم ندم فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره بما فعل فقال عليه الصلاة والسلام: "أنتظر أمر ربي فلما صلى صلاة قال: صلى الله تعالى عليه وسلم نعم اذهب بها فإنها كفارة لما عملت" وروي هذا القول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب، والظاهر أن ذلك منهم اقتصار على بعض مهم من أفراد ذلك العام، وسبب النزول لا يأبى العموم كما لا يخفى، وفي رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنها قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وفيه ما فيه، والمراد بالسيئات عند الأكثرين الصغائر لأن الكبائر لا يكفرها على ما قالوا: إلا التوبة، واستدلوا لذلك بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من رواية
العلاء nindex.php?page=hadith&LINKID=842011 "الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر" واستشكل بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30524الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر بنص
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ وأجاب
البلقيني بأن ذلك غير وارد لأن المراد بالآية أن تجتنبوا في جميع العمر ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=689203 "إن الصلوات تكفر ما بينها" أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فلا تعارض، وتعقبه
السمهودي بقوله: ولك أن تقول: لا يتحقق اجتناب الكبائر في جميع العمر إلا مع الإتيان بالصلوات الخمس فيه كل يوم، فالتكفير حاصل بما تضمنه الحديث فما فائدة الاجتناب المذكور في الآية ثم قال: ولك أن تجيب بأن ذلك من باب فعل شيئين كل منهما مكفر، وقد قال بعض العلماء: إنه إذا اجتمعت مكفرات فحكمها أنها إذا ترتبت فالمكفر السابق وإن وقعت معا فالمكفر واحد منها يشاؤه الله تعالى، وأما
[ ص: 158 ] البقية فثوابها باق له وذلك الثواب على كل منها يكون بحيث يعدل تكفير الصغائر لو وجدت، وكذا إذا فعل واحدا من الأمور المكفرة ولم يكن قد ارتكب ذنبا.
وفي شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم للنووي نحو ذلك غير أنه ذكر أنه صادف فعل المكفر كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر، ويرد على قوله: إن المراد
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا في جميع العمر منع ظاهر، والظاهر أن المراد من ذلك أن ثواب اجتناب الكبائر في كل وقت يكفر الصغائر الواقعة فيه، وفي تفسير القاضي ما يؤيده، وكذا ما ذكره الإمام حجة الإسلام في الكلام على التوبة من أن حكم الكبيرة أن الصلوات الخمس لا تكفرها وأن
nindex.php?page=treesubj&link=19715_30520_30524اجتناب الكبائر يكفر الصغائر بموجب قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما إلخ، ولكن اجتناب الكبيرة إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع القدرة والإرادة كمن يتمكن من امرأة ومن مواقعتها فيكف نفسه عن الوقوع ويقتصر على النظر واللمس فإن مجاهدته نفسه في الكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من إقدامه على النظر في إظلامه فهذا معنى تكفيره فإن كان عنينا ولم يكن امتناعه إلا بالضرورة للعجز أو كان قادرا ولكن امتنع لخوف من آخر، فهذا لا يصلح للتكفير أصلا فكل من لا يشتهي الخمر بطبعه ولو أبيح له ما شربه فاجتنابه لا يكفر عنه الصغائر التي هي من مقدماته كسماع الملاهي والأوتار، وهذا ظاهر يدل عليه أن الحسنات يذهبن السيئات، ولا شك أن اجتناب الكبائر إذا قارن القصد حسنة وإنما قيدنا بذلك وإن كان الخروج عند عهدة النهي لا يتوقف عليه لأنه لا يثاب على الاجتناب بدون ذلك، فالأولى في الجواب عن الإشكال أن يقال: ما اجتنبت الكبائر في الخبر ليس قيدا لأصل التكفير بل لشمول التكفير سائر الذنوب التي بين الصلوات الخمس، فهو بمثابة استثناء الكبائر من الذنوب، وكأنه قيل: الصلوات الخمس كفارة لجميع الذنوب التي بينها، وتكفيرها للجميع في المدة التي اجتنبت فيها الكبائر أو مقيد باجتناب الكبائر وإلا فليست الصلوات كفارة لجميع الذنوب بل للصغائر فقط، وهذا وإن كان خلاف الظاهر من عود القيد لأصل التكفير، لكن قرينة الآية دعت للعدول عنه إلى ذلك جمعا بين الأدلة، ولا بد في هذا من اعتبار ما قالوا في اجتماع الأمور المكفرة للصغائر، وذكر الحافظ ابن حجر بعد نقله لكلام البلقيني ما لفظه: وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص عنه سهل وذلك لأنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر، فيتوقف التكفير على فعلها انتهى، ولا يخلو عن بحث، وممن صرح بأن ما اجتنبت إلخ.. بمعنى الاستثناء نقلا عن بعضهم
المحب الطبري، فقد قال في أحكامه: اختلف العلماء في أمر
nindex.php?page=treesubj&link=19715تكفير الصغائر بالعبادات هل هو مشروط باجتناب الكبائر؟ على قولين: أحدهما نعم وهو ظاهر قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=842011 "ما اجتنبت الكبائر" فإن ظاهره الشرطية كما يقتضيه "إذا اجتنبت" الآتي في بعض الروايات، فإذا اجتنبت الكبائر كانت مكفرة لها وإلا فلا، وإليه ذهب الجمهور على ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية، وقال بعضهم: لا يشترط، والشرط في الحديث بمعنى الاستثناء، والتقدير مكفرات لما بينها إلا الكبائر وهو الأظهر.
هذا وقد ذكر
الزركشي أنهم اختلفوا في أن
nindex.php?page=treesubj&link=30520التكفير هل يشترط فيه التوبة أم لا؟ فذهب إلى الاشتراط طائفة وإلى عدمه أخرى، وفي البحر أن الاشتراط نص حذاق الأصوليين، ولعل الخلاف مبني على الخلاف في اشتراط الاجتناب وعدمه فمن جعل اجتناب الكبائر شرطا في تكفير الصغائر لم يشترط التوبة وجعل هذه خصوصية لمجتنب الكبائر ولم يشترطه إلا من اشترطها، ويدل عليه خبر
أبي اليسر، فإن الروايات متضافرة
[ ص: 159 ] على أنه جاء نادما والندم توبة، وإن إخباره صلى الله تعالى عليه وسلم له بأن صلاة العصر كفرت عنه ما فعل إنما وقع بعد ندمه، لكن ظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن التكفير كان بنفس الصلاة، فإن التوبة بمجردها تجب ما قبلها، فلو اشترطناها مع العبادات لم تكن العبادات مكفرة، وقد ثبت أنها مكفرات فيسقط اعتبار التوبة معها، انتهى ملخصا مع زيادة، ولا يخفى أن هذا يحتاج إلى التزام القول بأن ندم
أبي اليسر لم يكن توبة صحيحة وإلا لكان التكفير به لأنه السابق، وبعض التزم القول بكونه توبة صحيحة إلا أنه توبة لم تقبل ولم تكفر الذنب، وأنت تعلم أن في عدم تكفير التوبة الذنب مقالا، والمنقول عن
السبكي أنه قال: إن قبول التوبة عن الكفر مقطوع به تفضلا، وفي القطع بقبول
nindex.php?page=treesubj&link=19715توبة العاصي قولان
لأهل السنة، والمختار عند
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين أن تكفير التوبة للذنب مظنون، وادعى
النووي أنه الأصح، وفي شرح البرهان: الصحيح عندنا القطع بالتكفير، وقال
الحليمي: لا يجب على الله تعالى قبول التوبة لكنه لما أخبر عن نفسه أنه يقبل التوبة عن عباده ولم يجز أن يخلف وعده علمنا أنه سبحانه وتعالى لا يرد التوبة الصحيحة فضلا منه تعالى، ومثل هذا الخلاف الخلاف في التكفير باجتناب الكبائر ونحوه هل هو قطعي أو ظني، وفي كلام العلامة
نجم الدين النسفي وصدر الشريعة وغيرهما أن العقاب على الصغائر جائز الوقوع سواء اجتنب مرتكبها الكبائر أم لا لدخولها تحت قوله تعالى: ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) ولقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها والإحصاء إنما يكون للسؤال والمجازاة إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، وخالفت
المعتزلة في ذلك فلم يجيزوا وقوع التعذيب إذا اجتنبت الكبائر، واستدلوا بآية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا إلخ، ويجاب بأن المراد بالكبائر الكفر والجمع لتعدد أنواعه أو تعدد من اتصف به، ومعنى الآية إن تجتنبوا الكفر نجعلكم صالحين لتكفير سيئاتكم، ولا يخفى ما في استدلالهم من الوهن، وجوابهم عن استدلال
المعتزلة لعمري أوهن منه.
وذهب صاحب الذخائر إلى أن من الحسنات ما يكفر الصغائر والكبائر إذ قد صح في عدة أخبار من فعل كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفي بعضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومتى حملت الحسنات في الآية على الاستغراق فالمناسب حمل السيئات عليه أيضا، والتخصيص خلاف الظاهر وفضل الله تعالى واسع، وإلى هذا مال
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن بعض المعاصرين له وعنى به فيما قيل:
أبا محمد المحدث لكن رد عليه، فقال بعضهم: يقول: إن الكبائر والصغائر تكفرها الطهارة والصلاة لظاهر الأحاديث وهو جهل بين وموافقة للمرجئة في قولهم، ولو كان كما زعم لم يكن للأمر بالتوبة معنى، وقد أجمع المسلمون على أنها فرض، وقد صح أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: nindex.php?page=hadith&LINKID=689203 "الصلوات كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" انتهى.
وفيه أن دعوى أن ذلك جهل لا يخلو عن الإفراط إذا الفرق بين القول بعموم التكفير ومذهب المرجئة في غاية الوضوح، ولو صح أن ذلك ذهاب إلى قولهم للزمه مثله بالنسبة إلى التوبة فإنه يسلم أنها تكفر الصغائر والكبائر وهي من جملة أعمال العبد، فكما جاز أن يجعل الله سبحانه هذا العمل سببا لتكفير الجميع يجوز أن يجعل غيره من الأعمال كذلك، وقوله: ولو كان كما زعم إلخ مردود لأنه لا يلزم من تكفير الذنوب الحاصلة عدم الأمر بالتوبة وكونها فرضا إذ تركها من الذنوب المتجددة التي لا يشملها التكفير السابق بفعل الوضوء مثلا ألا ترى أن التوبة من الصغائر واجبة على ما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين وتلميذه الأنصاري الإجماع عليه
[ ص: 160 ] ومع ذلك فجميع الصغائر مكفرة بنص الشارع وإن لم يتب على ما سمعت من الخلاف، وتحقيق ذلك أن التوبة واجبة في نفسها على الفور ومن أخرها تكرر عصيانه بتكرر الأزمنة كما صرح به الشيخ
عز الدين بن عبد السلام، nindex.php?page=treesubj&link=19704ولا يلزم من تكفير الله تعالى ذنوب عبده سقوط التكليف بالتوبة التي كلف بها تكليفا مستمرا، وقريب من هذا ارتفاع الإثم عن النائم إذا أخرج الصلاة عن وقتها مع الأمر بقضائها، وما روي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة إنما ورد في أمر خاص فلا يتعداه إذ الأصل بقاء ما عداه على عمومه، وهذا مما لا مجال للقياس فيه حتى يخص بالقياس على ذلك فلا يليق نسبة ذلك القائل إلى الجهل، والرجاء بالله تعالى شأنه قوي كذا قيل، وفي المقام بعد أبحاث تركنا ذكرها خوف الإملال فإن أردتها فعليك بالنظر في الكتب المفصلة في علم الحديث.
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114ذلك ذكرى للذاكرين أي عظة للمتعظين، وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها، والإشارة إلى ما تقدم من الوصية بالاستقامة والنهي عن الطغيان والركون إلى الذين ظلموا وإقامة الصلوات في تلك الأوقات بتأويل المذكور، وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري، واستظهر
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان كون ذلك إشارة إلى إقامة الصلاة وأمر التذكير سهل، وقيل: هي إشارة إلى الإخبار بأن الحسنات يذهبن السيئات، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: إشارة إلى الأوامر والنواهي في هذه السورة، وقيل: إلى القرآن، وبعض من جعل الإشارة إلى الإقامة فسر الذكرى بالتوبة
nindex.php?page=treesubj&link=1251_30496_32830_842_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وَأَقِمِ الصَّلاةَ أَيِ الْمَكْتُوبَةَ، وَمَعْنَى إِقَامَتِهَا أَدَاؤُهَا عَلَى تَمَامِهَا.
وَقِيلَ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: فِعْلُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114طَرَفَيِ النَّهَارِ أَيْ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَانْتِصَابُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ –لِأَقِمْ- وَيَضْعُفُ كَوْنُهُ ظَرْفًا وَوَجْهُ انْتِصَابِهِ عَلَى ذَلِكَ إِضَافَتُهُ إِلَى الظَّرْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ أَيْ سَاعَاتٍ مِنْهُ قَرِيبَةً مِنَ النَّهَارِ فَإِنَّهُ مِنْ أَزْلَفَهُ إِذَا قَرَّبَهُ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15124اللَّيْثُ: هِيَ طَائِفَةٌ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثَعْلَبٌ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13673وَالْأَخْفَشُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: هِيَ مُطْلَقُ سَاعَاتِهِ وَآنَاؤُهُ وَكُلُّ سَاعَةٍ زُلْفَةٌ، وَأَنْشَدُوا
لِلْعَجَّاجِ: نَاجٍ طَوَاهُ الْأَيْنُ مِمَّا وَجَفَا طَيُّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفًا
سَمَاوَةُ الْهِلَالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا
وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114طَرَفَيِ النَّهَارِ)، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114مِنَ اللَّيْلِ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِصَلَاةِ الطَّرَفَيْنِ قِيلَ: صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةُ، nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ، وَاسْتَظْهَرَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَرَفَ الشَّيْءِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الشَّيْءِ، وَالْتَزَمَ أَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنَ الْفَجْرِ، وَقَدْ يُطْلَقُ طَرَفُ الشَّيْءِ عَلَى الْمُلَاصِقِ لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ مَجَازًا فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَعَ صِحَّةِ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَلَاةِ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ بِجَعْلِ التَّثْنِيَةِ هُنَا مِثْلَهَا فِي قَوْلِهِمُ: الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ بِشُذُوذِ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ -وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ- أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِنْ كَانَ النَّهَارُ مِنْ أَوَّلِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَالْمَغْرِبُ طَرَفٌ مَجَازًا وَهُوَ حَقِيقَةُ طَرَفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا فَالصُّبْحُ كَالْمَغْرِبِ طَرَفٌ مَجَازِيٌّ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: الطَّرَفُ الْأَوَّلُ الصُّبْحُ وَالثَّانِي الظَّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابْنُ عَطِيَّةَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فِي جَعْلِ الظُّهْرِ مِنَ الطَّرَفِ الثَّانِي خَفَاءً، وَإِنَّمَا الظَّهْرُ نِصْفُ النَّهَارِ وَالنِّصْفُ لَا يُسَمَّى طَرَفًا إِلَّا بِمَجَازٍ بَعِيدٍ، وَالْمُرَادُ بِصَلَاةِ الزُّلَفِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ فِي ذَلِكَ خَبَرًا مَرْفُوعًا، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسَّرَ صَلَاةَ الزُّلَفِ بِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ وَهِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَأَغْرَبُ مَنْ قَالَ: صَلَاةُ الطَّرَفَيْنِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَصَلَاةُ الزُّلَفِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَقِيلَ: مَعْنَى (زُلَفًا) قُرْبًا، وَحَقُّهُ عَلَى هَذَا -كَمَا فِي الْكَشَّافِ- أَنْ يُعْطَفَ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَأَقِمِ زُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ أَيْ صَلَوَاتٍ تَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، انْتَهَى، قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِهَا عَلَى هَذَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَالتَّهَجُّدُ وَقَدْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوِ الْعِشَاءُ، وَالْوِتْرُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَوِ الْمَجْمُوعُ كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْجَمْعِ، وَقَدْ تُفَسَّرُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ -وَاخْتَارَهُ الْبَعْضُ- وَقَدْ جَاءَ إِطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْتِزَامِ أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ قُرْبَةٌ فَتُحَقَّقُ قُرَبٌ فَوْقَ الثَّلَاثِ فِيمَا ذَكَرَ.
وَقَرَأَ
طَلْحَةُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ nindex.php?page=showalam&ids=11962وَأَبُو جَعْفَرٍ (زُلُفًا) بِضَمِّ اللَّامِ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ زُلْفَةٍ أَيْضًا وَلَكِنْ ضُمَّتْ
[ ص: 157 ] عَيْنُهُ إِتْبَاعًا لِفَائِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ كَعُنُقٍ، أَوْ جَمْعُ زَلِيفٍ بِمَعْنَى زُلْفَةٍ كَرَغِيفٍ وَرُغُفٍ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ كَبُسْرٍ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ فِي بُسْرَةٍ، وَهُوَ عَلَى هَذَا -عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ- اسْمُ جِنْسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَرَآ –زُلْفَى- كَحُبْلَى وَهُوَ بِمَعْنَى زُلْفَةٍ فَإِنَّ تَاءَ التَّأْنِيثِ وَأَلِفَهُ قَدْ يَتَعَاقَبَانِ نَحْوَ قُرْبَى وَقُرْبَةٍ، وَجَوَّزَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَلِفُ بَدَلًا مِنَ التَّنْوِينِ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ أَيْ يُكَفِّرْنَهَا وَيُذْهِبْنَ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَنَفْسُ السَّيِّئَاتِ أَعْرَاضٌ وُجِدَتْ فَانْعَدَمَتْ، وَقِيلَ: يَمْحِينَهَا مِنْ صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ، وَيَشْهَدُ لَهُ بَعْضُ الْآثَارِ، وَقِيلَ: يَمْنَعْنَ مِنِ اقْتِرَافِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَهُوَ مَعَ بُعْدِهِ فِي نَفْسِهِ مُخَالِفٌ لِلْمَأْثُورِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا يَعُمُّ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الطَّاعَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْفَرَائِضُ فَقَطْ لِرِوَايَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=657352 "الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانُ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ"، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650738 "إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وَفِي رِوَايَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا
يَحْيَى بْنُ نُصَيْرٍ -وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ- بِزِيَادَةِ، وَمَا تَأَخَّرَ" وَصَحَّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=2546nindex.php?page=hadith&LINKID=702341صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ تُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْمُسْتَقْبَلَةَ، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ
سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=675428 "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي تَكْفِيرِ أَفْعَالٍ لَيْسَتْ بِمَفْرُوضَةٍ ذُنُوبًا كَثِيرَةً، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ لِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ خَبَرِ سَبَبِ النُّزُولِ مِنْ
أَنَّ أَبَا الْيُسْرِ مِنَ الْأَنْصَارِ قَبَّلَ امْرَأَةً ثُمَّ نَدِمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا فَعَلَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَنْتَظِرُ أَمْرَ رَبِّي فَلَمَّا صَلَّى صَلَاةً قَالَ: صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمِ اذْهَبْ بِهَا فَإِنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَا عَمِلْتَ" وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمُ اقْتِصَارٌ عَلَى بَعْضٍ مُهِمٍّ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ، وَسَبَبُ النُّزُولِ لَا يَأْبَى الْعُمُومَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ أَنَّهَا قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّئَاتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الصَّغَائِرُ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا عَلَى مَا قَالُوا: إِلَّا التَّوْبَةُ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ
الْعَلَاءِ nindex.php?page=hadith&LINKID=842011 "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ" وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30524الصَّغَائِرَ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ بِنَصِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ فَمَا الَّذِي تُكَفِّرُهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ؟ وَأَجَابَ
الْبَلْقِينِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَنْ تَجْتَنِبُوا فِي جَمِيعِ الْعُمْرِ وَمَعْنَاهُ الْمُوَافَاةُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ وَقْتِ الْإِيمَانِ أَوِ التَّكْلِيفِ إِلَى الْمَوْتِ، وَالَّذِي فِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=689203 "إِنَّ الصَّلَوَاتِ تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا" أَيْ فِي يَوْمِهَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا تَعَارُضَ، وَتَعَقَّبَهُ
السَّمَهُودِيُّ بِقَوْلِهِ: وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: لَا يَتَحَقَّقُ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ إِلَّا مَعَ الْإِتْيَانِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ، فَالتَّكْفِيرُ حَاصِلٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ فَمَا فَائِدَةُ الِاجْتِنَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَكَ أَنْ تُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ فِعْلِ شَيْئَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَفِّرٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَتْ مُكَفِّرَاتٌ فَحُكْمُهَا أَنَّهَا إِذَا تَرَتَّبَتْ فَالْمُكَفِّرُ السَّابِقُ وَإِنْ وَقَعَتْ مَعًا فَالْمُكَفِّرُ وَاحِدٌ مِنْهَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا
[ ص: 158 ] الْبَقِيَّةُ فَثَوَابُهَا بَاقٍ لَهُ وَذَلِكَ الثَّوَابُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَعْدِلُ تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ لَوْ وُجِدَتْ، وَكَذَا إِذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنَ الْأُمُورِ الْمُكَفِّرَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَدِ ارْتَكَبَ ذَنْبًا.
وَفِي شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ صَادَفَ فِعْلُ الْمُكَفِّرِ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَيُرَدُّ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُرَادَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ ثَوَابَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ الْوَاقِعَةَ فِيهِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي مَا يُؤَيِّدُهُ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْكَبِيرَةِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لَا تُكَفِّرُهَا وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19715_30520_30524اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ بِمُوجَبِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا إِلَخْ، وَلَكِنَّ اجْتِنَابَ الْكَبِيرَةِ إِنَّمَا يُكَفِّرُ الصَّغِيرَةَ إِذَا اجْتَنَبَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ كَمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنِ امْرَأَةٍ وَمِنْ مُوَاقَعَتِهَا فَيَكُفُّ نَفْسَهُ عَنِ الْوُقُوعِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّظَرِ وَاللَّمْسِ فَإِنَّ مُجَاهَدَتَهُ نَفْسَهُ فِي الْكَفِّ عَنِ الْوِقَاعِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي تَنْوِيرِ قَلْبِهِ مِنْ إِقْدَامِهِ عَلَى النَّظَرِ فِي إِظْلَامِهِ فَهَذَا مَعْنَى تَكْفِيرِهِ فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا وَلَمْ يَكُنِ امْتِنَاعُهُ إِلَّا بِالضَّرُورَةِ لِلْعَجْزِ أَوْ كَانَ قَادِرًا وَلَكِنِ امْتَنَعَ لِخَوْفٍ مِنْ آخَرَ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ لَا يَشْتَهِي الْخَمْرَ بِطَبْعِهِ وَلَوْ أُبِيحَ لَهُ مَا شَرِبَهُ فَاجْتِنَابُهُ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ الصَّغَائِرَ الَّتِي هِيَ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ كَسَمَاعِ الْمَلَاهِي وَالْأَوْتَارِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ إِذَا قَارَنَ الْقَصْدَ حَسَنَةٌ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ عِنْدَ عُهْدَةِ النَّهْيِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى الِاجْتِنَابِ بِدُونِ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنِ الْإِشْكَالِ أَنْ يُقَالَ: مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرَ فِي الْخَبَرِ لَيْسَ قَيْدًا لِأَصْلِ التَّكْفِيرِ بَلْ لِشُمُولِ التَّكْفِيرِ سَائِرَ الذُّنُوبِ الَّتِي بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكَبَائِرِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ الَّتِي بَيْنَهَا، وَتَكْفِيرُهَا لِلْجَمِيعِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي اجْتُنِبَتْ فِيهَا الْكَبَائِرُ أَوْ مُقَيَّدٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَإِلَّا فَلَيْسَتِ الصَّلَوَاتُ كَفَّارَةً لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ بَلْ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ عَوْدِ الْقَيْدِ لِأَصْلِ التَّكْفِيرِ، لَكِنَّ قَرِينَةَ الْآيَةِ دَعَتْ لِلْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَلَا بُدَّ فِي هَذَا مِنِ اعْتِبَارِ مَا قَالُوا فِي اجْتِمَاعِ الْأُمُورِ الْمُكَفِّرَةِ لِلصَّغَائِرِ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ نَقْلِهِ لِكَلَامِ الْبَلْقِينِيِّ مَا لَفْظُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِ السُّؤَالِ فَالتَّخَلُّصُ عَنْهُ سَهْلٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ إِلَّا بِفِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا لَمْ يُعَدَّ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ لِأَنَّ تَرْكَهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، فَيَتَوَقَّفُ التَّكْفِيرُ عَلَى فِعْلِهَا انْتَهَى، وَلَا يَخْلُو عَنْ بَحْثٍ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَا اجْتُنِبَتْ إِلَخْ.. بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمُ
الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، فَقَدْ قَالَ فِي أَحْكَامِهِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَمْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=19715تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِالْعِبَادَاتِ هَلْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=842011 "مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ" فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الشَّرْطِيَّةُ كَمَا يَقْتَضِيهِ "إِذَا اجْتُنِبَتِ" الْآتِي فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَإِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ كَانَتْ مُكَفِّرَةً لَهَا وَإِلَّا فَلَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابْنُ عَطِيَّةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُشْتَرَطُ، وَالشَّرْطُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهَا إِلَّا الْكَبَائِرَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ
الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30520التَّكْفِيرَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوْبَةُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ إِلَى الِاشْتِرَاطِ طَائِفَةٌ وَإِلَى عَدَمِهِ أُخْرَى، وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الِاشْتِرَاطَ نَصُّ حُذَّاقِ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الِاجْتِنَابِ وَعَدَمِهِ فَمَنْ جَعَلَ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ شَرْطًا فِي تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ لَمْ يُشْتَرَطِ التَّوْبَةُ وَجَعَلَ هَذِهِ خُصُوصِيَّةً لِمُجْتَنِبِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ إِلَّا مَنِ اشْتَرَطَهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ
أَبِي الْيُسْرِ، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ مُتَضَافِرَةٌ
[ ص: 159 ] عَلَى أَنَّهُ جَاءَ نَادِمًا وَالنَّدَمُ تَوْبَةٌ، وَإِنَّ إِخْبَارَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ كَفَّرَتْ عَنْهُ مَا فَعَلَ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ نَدَمِهِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّكْفِيرَ كَانَ بِنَفْسِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ بِمُجَرَّدِهَا تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، فَلَوِ اشْتَرَطْنَاهَا مَعَ الْعِبَادَاتِ لَمْ تَكُنِ الْعِبَادَاتُ مُكَفِّرَةً، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُكَفِّرَاتٌ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّوْبَةِ مَعَهَا، انْتَهَى مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى الْتِزَامِ الْقَوْلِ بِأَنَّ نَدَمَ
أَبِي الْيُسْرِ لَمْ يَكُنْ تَوْبَةً صَحِيحَةً وَإِلَّا لَكَانَ التَّكْفِيرُ بِهِ لِأَنَّهُ السَّابِقُ، وَبَعْضٌ الْتَزَمَ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ تَوْبَةً صَحِيحَةً إِلَّا أَنَّهُ تَوْبَةٌ لَمْ تُقْبَلْ وَلَمْ تُكَفِّرِ الذَّنْبَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ التَّوْبَةِ الذَّنْبَ مَقَالًا، وَالْمَنْقُولُ عَنِ
السُّبْكِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ عَنِ الْكُفْرِ مَقْطُوعٌ بِهِ تَفَضُّلًا، وَفِي الْقَطْعِ بِقَبُولِ
nindex.php?page=treesubj&link=19715تَوْبَةِ الْعَاصِي قَوْلَانِ
لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ تَكْفِيرَ التَّوْبَةِ لِلذَّنْبِ مَظْنُونٌ، وَادَّعَى
النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: الصَّحِيحُ عِنْدَنَا الْقَطْعُ بِالتَّكْفِيرِ، وَقَالَ
الْحَلِيمِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَبُولُ التَّوْبَةِ لَكِنَّهُ لِمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَرُدُّ التَّوْبَةَ الصَّحِيحَةَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى، وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي التَّكْفِيرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَنَحْوُهُ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ، وَفِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ
نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْعِقَابَ عَلَى الصَّغَائِرِ جَائِزُ الْوُقُوعِ سَوَاءٌ اجْتَنَبَ مُرْتَكِبُهَا الْكَبَائِرَ أَمْ لَا لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ( يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَالْإِحْصَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ لِلسُّؤَالِ وَالْمُجَازَاةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَخَالَفَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُجِيزُوا وُقُوعَ التَّعْذِيبِ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ، وَاسْتَدَلُّوا بِآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا إِلَخْ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبَائِرِ الْكُفْرُ وَالْجَمْعُ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ أَوْ تَعَدُّدِ مَنِ اتَّصَفَ بِهِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ إِنْ تَجْتَنِبُوا الْكُفْرَ نَجْعَلْكُمْ صَالِحِينَ لِتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِكُمْ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي اسْتِدْلَالِهِمْ مِنَ الْوَهْنِ، وَجَوَابُهُمْ عَنِ اسْتِدْلَالِ
الْمُعْتَزِلَةِ لَعَمْرِي أَوْهَنُ مِنْهُ.
وَذَهَبَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إِلَى أَنَّ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا يُكْفِّرُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ إِذْ قَدْ صَحَّ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ مَنْ فَعَلَ كَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَفِي بَعْضِهَا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَمَتَى حُمِلَتِ الْحَسَنَاتُ فِي الْآيَةِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَالْمُنَاسِبُ حَمْلُ السَّيِّئَاتِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَاسِعٌ، وَإِلَى هَذَا مَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ وَعَنَى بِهِ فِيمَا قِيلَ:
أَبَا مُحَمَّدٍ الْمُحَدِّثَ لَكِنْ رُدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ: إِنَّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ تُكَفِّرُهَا الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ جَهْلٌ بَيِّنٌ وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالتَّوْبَةِ مَعْنًى، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ، وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ: nindex.php?page=hadith&LINKID=689203 "الصَّلَوَاتُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ" انْتَهَى.
وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ لَا يَخْلُو عَنِ الْإِفْرَاطِ إِذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِعُمُومِ التَّكْفِيرِ وَمَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ ذَهَابٌ إِلَى قَوْلِهِمْ لَلَزِمَهُ مِثْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّوْبَةِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ أَنَّهَا تُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِ الْعَبْدِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا الْعَمَلَ سَبَبًا لِتَكْفِيرِ الْجَمِيعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ إِلَخْ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ الْحَاصِلَةِ عَدَمُ الْأَمْرِ بِالتَّوْبَةِ وَكَوْنِهَا فَرْضًا إِذْ تَرْكُهَا مِنَ الذُّنُوبِ الْمُتَجَدِّدَةِ الَّتِي لَا يَشْمَلُهَا التَّكْفِيرُ السَّابِقُ بِفِعْلِ الْوُضُوءِ مَثَلًا أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الصَّغَائِرِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَا نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيِّ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتِلْمِيذُهُ الْأَنْصَارِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ
[ ص: 160 ] وَمَعَ ذَلِكَ فَجَمِيعُ الصَّغَائِرِ مُكَفَّرَةٌ بِنَصِّ الشَّارِعِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ عَلَى مَا سَمِعْتَ مِنَ الْخِلَافِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ فِي نَفْسِهَا عَلَى الْفَوْرِ وَمَنْ أَخَّرَهَا تَكَرَّرَ عِصْيَانُهُ بِتَكَرُّرِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ
عِزُّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، nindex.php?page=treesubj&link=19704وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَكْفِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ذُنُوبَ عَبْدِهِ سُقُوطُ التَّكْلِيفِ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي كُلِّفَ بِهَا تَكْلِيفًا مُسْتَمِرًّا، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا ارْتِفَاعُ الْإِثْمِ عَنِ النَّائِمِ إِذَا أَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا مَعَ الْأَمْرِ بِقَضَائِهَا، وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إِذِ الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ حَتَّى يُخَصَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَلِيقُ نِسْبَةُ ذَلِكَ الْقَائِلِ إِلَى الْجَهْلِ، وَالرَّجَاءُ بِاللَّهِ تَعَالَى شَأْنُهُ قَوِيٌّ كَذَا قِيلَ، وَفِي الْمَقَامِ بَعْدَ أَبْحَاثٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهَا خَوْفَ الْإِمْلَالِ فَإِنْ أَرَدْتَهَا فَعَلَيْكَ بِالنَّظَرِ فِي الْكُتُبِ الْمُفَصَّلَةِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ أَيْ عِظَةٌ لِلْمُتَّعِظِينَ، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الطُّغْيَانِ وَالرُّكُونِ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وَإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ، وَاسْتَظْهَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ كَوْنَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَمْرُ التَّذْكِيرِ سَهْلٌ، وَقِيلَ: هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ: إِشَارَةٌ إِلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْقُرْآنِ، وَبَعْضُ مَنْ جَعَلَ الْإِشَارَةَ إِلَى الْإِقَامَةِ فَسَّرَ الذِّكْرَى بِالتَّوْبَةِ