[ ص: 72 ] ومن باب الإشارة : أنه سبحانه أشار إلى تمكن رسوله عليه الصلاة والسلام ووصول أصحابه رضي الله تعالى عنهم إلى مقام الوحدة الذاتية بعد أن كانوا محتجبين بالأفعال تارة وبالصفات أخرى، وبذلك تحققت الضدية على أكمل وجه بينهم وبين المشركين، فنزلت البراءة وأمروا بنبذ العهد ليقع التوافق بين الباطن والظاهر وأمر المشركون بالسياحة في الأرض أربعة أشهر على عدد مواقفهم في الدنيا والآخرة تنبيها لهم، فإنهم لما وقفوا في الدنيا مع الغير بالشرك حجبوا عن الدين والأفعال والصفات والذات في برزخ الناسوت فلزمهم أن يوقفوا في الآخرة على الله عز وجل ثم على الجبروت ثم على الملكوت ثم على النار في جحيم الآثار فيعذبوا بأنواع العذاب ، ومن طبق الآيات على ما في الأنفس ذكر أن هذه المدة هي مدة كمال الأوصاف الأربعة النباتية والحيوانية والشيطانية والإنسانية ثم قال سبحانه لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2واعلموا أنكم غير معجزي الله إذ لا بد من حبسكم في تلك المواقف بسبب وقوفكم مع الغير بالشرك
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2وأن الله مخزي الكافرين المحجوبين عن الحق بافتضاحهم عند ظهور رتبة ما عبدوه من دونه ووقوفهم معه على النار
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أي : وقت ظهور الجمع الذاتي في صورة التفصيل
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3أن الله بريء من المشركين ورسوله المراد بذلك كمال المخالفة والتضاد وانقطاع المدد الروحاني ، والمراد من قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=4إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا الذين بقيت فيهم مسكة من الاستعداد وأثر من سلامة الفطرة وبقايا من المروءة أمر المؤمنون أن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم وهي مدة تراكم الدين وتحقق الحجاب إن لم يرجعوا ويتوبوا ثم قال سبحانه بعد أن ذكر ما ذكر : ( الذين كفروا ) أي علما (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20وهاجروا ) أي هجروا الرغائب الحسية والأوطان النفسية
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وهي أموال معلوماتهم ومراداتهم ومقدوراتهم ، والجهاد بهذه إشارة إلى محو صفاتهم ، والجهاد بالأنفس إشارة إلى فنائها في الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10أولئك أعظم درجة في التوحيد
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20عند الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يبشرهم ربهم برحمة منه وهو ثواب الأعمال (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21ورضوان ) وهو ثواب الصفات
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21وجنات لهم فيها نعيم مقيم وهو مشاهدة المحبوب الذي لا يزول وذلك جزاء الأنفس ، ووجه الترتيب على هذا ظاهر وإنما تولى الله تعالى بشارتهم بنفسه عز وجل ليزدادوا حبا له تبارك وتعالى لأن القلوب مجبولة على حب من يبشرها بالخير ، ثم إنه سبحانه بين أن القرابة المعنوية والتناسب المعنوي والوصلة الحقيقية أحق بالمراعاة من الاتصال الصوري مع فقد الاتصال المعنوي واختلاف الوجهة، وذم سبحانه التقيد بالمألوفات الحسية وتقديمها على المحبوب الحقيقي والتعين الأول له والسبب الأقوى للوصول إلى الحضرة، وتوعد عليه بما توعد، نسأل الله تعالى التوفيق إلى ما يقربنا منه إنه ولي ذلك .
[ ص: 72 ] وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَشَارَ إِلَى تَمَكُّنِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَوُصُولِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إِلَى مَقَامِ الْوَحْدَةِ الذَّاتِيَّةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُحْتَجِبِينَ بِالْأَفْعَالِ تَارَةً وَبِالصِّفَاتِ أُخْرَى، وَبِذَلِكَ تَحَقَّقَتِ الضِّدِّيَةُ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتِ الْبَرَاءَةُ وَأُمِرُوا بِنَبْذِ الْعَهْدِ لِيَقَعَ التَّوَافُقُ بَيْنَ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَأُمِرَ الْمُشْرِكُونَ بِالسِّيَاحَةِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى عَدَدِ مَوَاقِفِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَنْبِيهًا لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا وَقَفُوا فِي الدُّنْيَا مَعَ الْغَيْرِ بِالشِّرْكِ حُجِبُوا عَنِ الدِّينِ وَالْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ وَالذَّاتِ فِي بَرْزَخِ النَّاسُوتِ فَلَزِمَهُمْ أَنْ يُوقَفُوا فِي الْآخِرَةِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ عَلَى الْجَبَرُوتِ ثُمَّ عَلَى الْمَلَكُوتِ ثُمَّ عَلَى النَّارِ فِي جَحِيمِ الْآثَارِ فَيُعَذَّبُوا بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ ، وَمَنْ طَبَّقَ الْآيَاتِ عَلَى مَا فِي الْأَنْفُسِ ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ مُدَّةُ كَمَالِ الْأَوْصَافِ الْأَرْبَعَةِ النَّبَاتِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ وَالشَّيْطَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ حَبْسِكُمْ فِي تِلْكَ الْمَوَاقِفِ بِسَبَبِ وُقُوفِكُمْ مَعَ الْغَيْرِ بِالشِّرْكِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ الْمَحْجُوبِينَ عَنِ الْحَقِّ بِافْتِضَاحِهِمْ عِنْدَ ظُهُورِ رُتْبَةِ مَا عَبَدُوهُ مِنْ دُونِهِ وَوُقُوفِهِمْ مَعَهُ عَلَى النَّارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَيْ : وَقْتَ ظُهُورِ الْجَمْعِ الذَّاتِيِّ فِي صُورَةِ التَّفْصِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ كَمَالُ الْمُخَالَفَةِ وَالتَّضَادِّ وَانْقِطَاعُ الْمَدَدِ الرُّوحَانِيِّ ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=4إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا الَّذِينَ بَقِيَتْ فِيهِمْ مُسْكَةٌ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ وَأَثَرٌ مِنْ سَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَبَقَايَا مِنَ الْمُرُوءَةِ أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ وَهِيَ مُدَّةُ تَرَاكُمُ الدِّينِ وَتَحَقُّقِ الْحِجَابِ إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا وَيَتُوبُوا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَ : ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) أَيْ عِلْمًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20وَهَاجَرُوا ) أَيْ هَجَرُوا الرَّغَائِبَ الْحِسِّيَّةَ وَالْأَوْطَانَ النَّفْسِيَّةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَهِيَ أَمْوَالُ مَعْلُومَاتِهِمْ وَمُرَادَاتِهِمْ وَمَقْدُورَاتِهِمْ ، وَالْجِهَادُ بِهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَحْوِ صِفَاتِهِمْ ، وَالْجِهَادُ بِالْأَنْفُسِ إِشَارَةٌ إِلَى فَنَائِهَا فِي اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً فِي التَّوْحِيدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَهُوَ ثَوَابُ الْأَعْمَالِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21وَرِضْوَانٍ ) وَهُوَ ثَوَابُ الصِّفَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ وَهُوَ مُشَاهَدَةُ الْمَحْبُوبِ الَّذِي لَا يَزُولُ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْأَنْفُسِ ، وَوَجْهُ التَّرْتِيبِ عَلَى هَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بِشَارَتَهُمْ بِنَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَزْدَادُوا حُبًّا لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَنَّ الْقُلُوبَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ يُبَشِّرُهَا بِالْخَيْرِ ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ وَالتَّنَاسُبَ الْمَعْنَوِيَّ وَالْوَصْلَةَ الْحَقِيقِيَّةَ أَحَقُّ بِالْمُرَاعَاةِ مِنَ الِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ مَعَ فَقْدِ الِاتِّصَالِ الْمَعْنَوِيِّ وَاخْتِلَافِ الْوُجْهَةِ، وَذَمَّ سُبْحَانَهُ التَّقَيُّدَ بِالْمَأْلُوفَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الْمَحْبُوبِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّعَيُّنِ الْأَوَّلِ لَهُ وَالسَّبَبِ الْأَقْوَى لِلْوُصُولِ إِلَى الْحَضْرَةِ، وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِمَا تَوَعَّدَ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ إِلَى مَا يُقَرِّبُنَا مِنْهُ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ .