الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في مؤن الأقارب ( يلزمه ) أي : الفرع الحر ، أو المبعض الذكر والأنثى ( نفقة ) أي : مؤنة حتى نحو دواء وأجرة طبيب ( الوالد ) المعصوم الحر وقنه المحتاج له وزوجته [ ص: 345 ] إن وجب إعفافه ، أو المبعض بالنسبة لبعضه الحر لا المكاتب ( وإن علا ) ولو أنثى غير وارثة إجماعا ولقوله تعالى { وصاحبهما في الدنيا معروفا } لخبر الصحيح { أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه } ( و ) يلزم الأصل الحر ، أو المبعض الذكر والأنثى مؤنة ( الولد ) المعصوم الحر ، أو بعض ، كذلك ( وإن سفل ) ولو أنثى كذلك لقوله تعالى { وعلى المولود } الآية ومعنى وعلى الوارث مثل ذلك الذي أخذ منه أبو حنيفة رضي الله عنه وجوب نفقة المحارم أي : في عدم المضارة كما قيده ابن عباس رضي الله عنهما وهو أعلم بالقرآن من غيره ، وقوله { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } فإذا لزمه أجرة الرضاع فكفايته ألزم ومن ثم أجمعوا على ذلك في طفل لا مال له وألحق به بالغ عاجز كذلك { لقوله صلى الله عليه وسلم لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } .

                                                                                                                              ( وإن اختلف دينهما ) بشرط عصمة المنفق عليه كما مر لا نحو مرتد وحربي كما بحثه الزركشي ، وغيره وهو ظاهر ؛ لأنها مواساة وهما ليسا من أهلها وهل يلحق بهما نحو زان محض بجامع الإهدار ، أو يفرق بأنهما قادران على عصمة نفسيهما ؟ فكان المانع منهما بخلافه فإن توبته لا تعصمه ، ويسن له الستر على نفسه ، وكذا للشهود على ما يأتي فكان من أهل المواساة لعدم مانع قائم به يقدر على إسقاطه كل محتمل ، والثاني أوجه ولا يعارضه ما مر في التيمم أنه لا يجب بل لا يجوز صرف الماء لشربه بل يتطهر صاحبه به ، وإن هلك الآخر عطشا وذلك لاختلاف ملحظي ما هنا وثم ؛ لأن ملحظ ذاك تعلق حق الطهر بعين الماء بمجرد دخول الوقت حتى لا يصح تصرفه فيه فلم يقبل الصرف عنه بسبب ضعيف ، وأما هنا فالتعلق منوط وصف القرابة وحينئذ يجب النظر إلى من قام به وصف ينافيها من كل وجه وهو الحرابة ، أو الردة منع الإنفاق عليه لمنعه سببه بالكلية بخلاف من لم يقم به وصف كذلك وهو نحو الزاني المحصن ؛ لأنه لا تقصير منه الآن فلم يوجد فيه وصف رافع لمقتضى أصل القرابة فاستصحبنا حكمها فيه .

                                                                                                                              وذلك لعموم الأدلة وكالعتق ورد الشهادة بخلاف الإرث فإنه مبني على المناصرة وهي مفقودة حينئذ ، وهل يشترط اتحاد محل المنفق والمنفق عليه ، أو لا ؟ حتى لو أراد المنفق عليه سفرا ، أو كان مقيما بمحل بعيد عن المنفق لزمه إرسال كفايته له مع من يثق به لينفق عليه ؟ كل محتمل والثاني أوجه إذ هو [ ص: 346 ] الأقرب إلى عموم كلامهم ، ثم رأيت ما يأتي في منفقين استويا وغاب أحدهما وهو يؤيد ما ذكرته ، وإنما تجب ( بشرط يسار المنفق ) ؛ لأنها مواساة ونفقة الزوجة معاوضة ، ويصدق كما علم مما مر في الفلس في إعساره بيمينه ما لم يكذبه ظاهر حاله فلا بد له من بينة تشهد له به ( بفاضل عن قوته وقوت عياله ) زوجته وخادمها وأم ولده ، وعن سائر مؤنهم وخص القوت ؛ لأنه الأهم لا عن دينه لما مر في الفلس وذلك لخبر مسلم { ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك } وبعمومه يتقوى ما مر عن أبي حنيفة إلا أن يجاب بأنه يستنبط من النص معنى يخصصه ( في يومه ) وليلته التي تليه غداء ، وعشاء ولو لم يكفه الفاضل لم يجب غيره .

                                                                                                                              التالي السابق



                                                                                                                              الخدمات العلمية