( كتاب قسم الصدقات )
أي الزكوات لمستحقيها وجمعها باختلاف أنواعها سميت بذلك لإشعارها بصدق باذلها ولشمولها للنفل وضعا ذكره في فصل آخر الباب ورتبهم على ما يأتي مخالفا لمن ابتدأ بالعامل لتقدمه في القسم لكونه يأخذه عوضا تأسيا بالآية المشار فيها فاللام الملك في الأربعة الأول إلى إطلاق ملكهم وتصرفهم وبفي الظرفية في الأربعة الأخيرة إلى تقييده بالصرف فيما أعطوا لأجله وإلا استرد على ما يأتي وبواو الجمع ليفيد اشتراكهم على السواء فلا يجوز حرمان بعضهم ولا إعطاؤه أقل من الثمن على ما يأتي أيضا وأما قول المخالف القصد مجرد بيان المصرف فيجوز دفع المالك زكاته لصنف بل لواحد منه كفقير فهو مخالف لقاعدة اللغة فيحتاج لدليل إذ ما لا عرف للشارع فيه يجب حمله على اللغة ومما يصرح بما قلناه الاتفاق في نحو الوصية ، أو الوقف ، أو النذر أو الإقرار لزيد وعمرو وبكر بشيء على أنه يصرف إليهم على السواء وذكر أكثر الأصحاب كالمختصر هذا هنا ؛ لأنه كسابقيه يجمعه الإمام ويفرقه وأقلهم كالأم آخر الزكاة لتعلقه بها ومن ثم كان أنسب وجرى عليه في الروضة ( ) قيل هذا ملفت فإنه لم يذكر ما يربطه ا هـ وليس في محله لبناء زعم التلفت على زعم أنه لم يذكر رابطا فإن أراد الربط النحوي فليس هنا ما يحتاج إليه فيه أو المعنوي فهو مذكور بل متكرر في كلامه الآتي وبفرض أنه لم يذكر ما يأتي من أن هؤلاء الأصناف الثمانية هم المستحقون لهذه الصدقات لم يكن مفلتا ؛ لأن دلالة السياق محكمة ، وهي قاضية عند من له أدنى ذوق بأن المراد قسمتها لمستحقيها ، وأنهم المبينون في كلامه ( ولا كسب ) حلال لائق به ( يقع ) جميعهما ، أو مجموعهما ( موقعا من حاجته ) من مطعم وملبس ومسكن وسائر ما لا بد منه لنفسه وممونه الذي تلزمه مؤنته لا غيره . الفقير من لا مال له
وإن اقتضت العادة إنفاقه خلافا لبعضهم وكأنه توهمه من كلام السبكي الآتي رده [ ص: 150 ] على ما يليق به وبهم من غير إسراف ولا تقتير كمن يحتاج عشرة ولا يجد إلا درهمين وقال المحاملي إلا ثلاثة والقاضي إلا أربعة واعترض بأنه يقع موقعا وقضية الحد أن الكسوب غير فقير ، وإن لم يكتسب ، وهو كذلك هنا وفي الحج في بعض صوره كما مر وفيمن تلزمه نفقة فرعه بخلافه في الأصل المنفق عليه لحرمته كما يأتي إن وجد من يستعمله وقدر عليه أي : بأن لم يكن عليه فيه مشقة لا تحتمل عادة فيما يظهر وحل له تعاطيه ولاق به كما يأتي وإلا أعطي ، وأن ذا المال الذي عليه قدره ، أو أقل بقدر لا يخرجه عن الفقر ولو حالا على المعتمد غير فقير أيضا فلا يعطى من سهم الفقراء حتى يصرف ما معه في الدين ، ونزاع الرافعي فيه الناشئ عن تناقض حكي عنه هنا وفي العتق بأنه ينبغي أن لا يعتبر كما منع وجوب نفقة القريب وزكاة الفطر مردود بأن في منعه للفطر تناقضا مر أي وعلى المنع ثم يفرق بأن تلك مواساة في مقابلة طهرة البدن ، وهو ليس من أهلها لتعلق الدين بذمته وما هنا ملحظه الاحتياج ، وهو قبل صرف ما بيده غير محتاج ، وبأن نفقة القريب تجب مع الدين كما ذكروه في الفلس فوجوب الزكاة فيه ونفقة القريب معه يقتضيان الغنى ثم هذا الحد لفقير الزكاة لا فقير العرايا والعاقلة ونفقة الممون وغيرهم مما هو معلوم في محاله ومن له عقار ينقص دخله عن كفايته فقير ، أو مسكين بناء على ما يأتي أنه يعطى كفاية العمر الغالب نعم إن كان نفيسا ولو باعه حصل به ما يكفيه دخله لزمه بيعه على الأوجه .
( ولا يمنع الفقر ) والمسكنة كما يأتي ( مسكنه ) الذي يحتاجه ولاق به ، وإن اعتاد السكن بالأجرة بخلاف ما لو نزل في موقوف يستحقه على الأوجه فيهما ؛ لأن هذا كالمالك بخلاف ذاك ويتردد النظر في كل محتمل والثاني أقرب [ ص: 151 ] ويفرق بينه وبين ما مر في نظيره في الحج بأنه ينظر فيه للحاجة الراهنة دون المستقبلة بدليل أنه يكلف بيع ضيعته ورأس ماله بخلافه هنا بدليل النظر للسنة أو العمر الغالب ( وثيابه ) ولو للتجمل بها في بعض أيام السنة ، وإن تعددت إن لاقت به أيضا على الأوجه خلافا لما يوهمه كلام مكفية بإسكان زوجها هل تكلف بيع دارها فيما لم يكفها الزوج إياه ؛ لأنها مستغنية عنه الآن كالساكن بالموقوف ، أو يفرق بأن الناظر لا يقدر على إخراجه ، والزوج يقدر على طلاقها متى شاء السبكي ويؤخذ من ذلك صحة إفتاء بعضهم بأن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها وقنه المحتاج لخدمته ولو لمروءته لكن إن اختلت مروءته بخدمته لنفسه ، أو شقت عليه مشقة لا تحتمل عادة وكتبه التي يحتاجها ولو نادرا لعلم شرعي ، أو آلة له كتواريخ المحدثين ، وأشعار نحو اللغويين ولو مرة في السنة ، أو كطب ، أو وعظ لنفسه ، أو غيره ولو تكررت عنده كتب من فن واحد بقيت كلها لمدرس والمبسوط لغيره فيبيع الموجز إلا إن كان فيه ما ليس في المبسوط فيما يظهر ، أو نسخ من كتاب بقي له الأصح لا الأحسن .
فإن كانت إحدى النسختين كبيرة الحجم ، والأخرى صغيرته بقيتا لمدرس ؛ لأنه يحتاج لحمل هذه إلى درسه وغيره يبقى له أصحهما كما مر وآلة المحترف كخيل جندي مرتزق وسلاحه إن لم يعطه الإمام بدلهما من بيت المال كما هو ظاهر ومتطوع احتاجهما وتعين عليه الجهاد نظير ما مر في المفلس مع ما يأتي مجيئه هنا مما مر عن السبكي وغيره بقيده ومن تفصيل المصحف وثمن ما ذكر ما دام معه يمنع إعطاءه بالفقر حتى يصرفه فيه ( تنبيه ) قضية قولهم أيام السنة ولو مرة في السنة أنه لو كان يحتاج لبعض الثياب ، أو الكتب في كل سنتين مرة مثلا لا يبقيان له ، وهو مشكل فلعل هذا مبني على إعطاء السنة ، وقولنا الآتي في بحث المسكين والمعتمد إلى آخره صريح فيه ( وماله الغائب في مرحلتين ) [ ص: 152 ] أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه ( و ) ماله ( المؤجل ) ؛ لأنه معسر الآن فيهما ، وإن نازع في الأولى جمع فيأخذ حتى يصله ، أو يحل ما لم يجد من يقرضه على الأوجه ؛ لأنه غني فلا نظر لاحتمال تلفهما فتبقى ذمته معلقة ( وكسب لا يليق به ) شرعا ، أو عرفا لحرمته ، أو لإخلاله بمروءته ؛ لأنه حينئذ كالعدم كما لو لم يجد من يستعمله إلا من ماله حرام أي : أو فيه شبهة قوية فيما يظهر ، وأفتى الغزالي بأن لهم الأخذ وكلامهم يشمله لكنه قال في الإحياء إن ترك الشريف نحو النسج والخياطة عند الحاجة حماقة ورعونة نفس ، وأخذه الأوساخ عند قدرته أذهب لمروءته ا هـ فإن أراد بذلك إرشاده للأكمل من الكسب فواضح ، أو منعه من الأخذ فالأوجه الأول حيث أخل الكسب بمروءته عرفا ، وإن كان ناسخا لكتب العلم . أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب
( ولو اشتغل ) بحفظ قرآن ، أو ( بعلم ) شرعي ومنه بل أهمه في حق من لم يرزق قلبا سليما علم الباطن المطهر للنفس عن أخلاقها الرديئة ، أو آلة له وأمكن عادة أن يتأتى منه تحصيل فيه ويلحق بذلك الاشتغال بالصلاة على الجنائز بجامع أنه فرض كفاية أيضا ، وقوله بالنوافل يفهمه ( والكسب ) الذي يحسنه ( يمنعه ) من أصله ، أو كماله ( فهو ) ( فقير ) فيعطى ويترك الكسب لتعدي نفعه وعمومه ( ولو وقول بعضهم المطلقة غير صحيح بل لو فرض تعارض راتبة وكسب يكفيه كلف الكسب كما يعلم من العلة الآتية ( فلا ) يعطى شيئا من الزكاة من سهم الفقراء ، وإن استغرق بذلك جميع وقته خلافا اشتغل بالنوافل ) من صلاة وغيرها للقفال ؛ لأن نفعه قاصر عليه سواء الصوفي وغيره نعم لو أعطي على الأوجه للضرورة حينئذ كما لو احتاج للنكاح ولا شيء معه فيعطى ما يصرفه فيه ( ولا يشترط فيه ) أي : الفقير ( الزمانة ) بالفتح وفسرت بالعاهة وبما يقعد الإنسان ، وظاهر أن المراد بها هنا ما يمنع الكسب من مرض ونحوه ( ولا التعفف عن المسألة على الجديد ) فيهما لصدق اسم الفقر مع ذلك ولظاهر الإخبار ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم أعطى القوي والسائل وضدهما كما يعلم مما يأتي أول الفصل الآتي نذر صوم الدهر وانعقد نذره ومنعه صومه عن كسبه