واقتصر ابن عرفة على نقل كلام العتبية فقط ، وأتى به استشهادا على مسألة سئل عنها ابن رشد ، وهي من وسيأتي كلامهما عند قول أنفق على أبويه وله إخوة فأراد الرجوع على إخوته بما ينوبهم المصنف ، وهل على الرءوس أو الإرث والله أعلم . وقال في أحكام ابن سهل في القضاء في مسائل الغائب : فأفتى رجل غاب منذ عشرين عاما وأثبت أبوه أنه فقير عديم وأن له دارا ودعا أن تباع وينفق عليه من ثمنها ابن عات لا سبيل إلى بيع هذه الدار بسبب الأب الطالب للنفقة ، وهو مما لا اختلاف فيه ، وكان ابن مالك وابن القطان قد ماتا وأفتى غيره يجب بأن يحلف الأب ما له مال معلوم وأنه لفقير عديم وتباع الدار وينفق من ثمنها على الأب وزوجته ، وقال بعضهم يمين الأب في هذا مختلف فيها ، وذكر ابن العطار أن ابن لبابة أفتى بهذا ثم تكلمت فيها مع ابن عتاب فقال لي : هذه الأجوبة كلها خطأ ، ولا نفقة للأب إلا بعد ثبوت حياة الابن وبتيقن ذلك قد يكون غنيا أو مديانا .
قال : ولا حجة بما في طلاق السنة من إيجابة الإنفاق من مال من فقد على زوجته وبنيه ; لأن نفقة هؤلاء قد كانت لزمت المفقود إذا كان حاضرا ، فلا ترتفع عنه إلا بصحة وفاته ، ولو لزمه الغرم لأنه من الخطإ الذي لا يعذر فيه ، ولكني أرى أن تكرى الدار ويعطى للأب ما يرتفق به استحبابا على سبيل السلف ويخص ذلك بالتسجيل ا هـ ، وفي نوازل باع الحاكم دار الغائب قبل صحة حياته وأنفق على الأب ثمنها ابن رشد في آخر كتاب الأنكحة أنه سئل عما ذكره ابن سهل يعني كلامه المتقدم فأجاب إنما حكى ذلك يعني ابن سهل عن الشيخ محمد بن عتاب ، وهو صحيح ; لأن نفقة الأبوين قد كانت ساقطة عنه ، ولا تجب عليه لهما حتى يطلباه بها ، فإذا غاب عنهما لم يصح أن يحكم لهما عليه في مغيبه ، وتباع عليه فيها أصوله لاحتمال أن يكون في ذلك الوقت قد مات أو قد استدان من الديون ما يستغرقها أو يكون أحق بها من نفقتهما ، وذلك بخلاف نفقة الزوجة .
والفرق بينهما أن نفقة الأبوين ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته ، وأنه لا دين عليه يغترق ماله ، وأن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها بمعرفة موته أو استغراق ذمته بالديون ، وهذا من باب استصحاب الحال ، وهو أصل من الأصول يجري عليه كثير من الأحكام ، من ذلك الفرق بين من ، أكل شاكا في الفجر أو شاكا في الغروب ، وبين والفرق بين من أيقن بالوضوء وشك في الحدث بعده ، ومن ذلك مسألة كتاب طلاق السنة من المدونة في المفقود يموت بعض ولده في تفرقته بين أن يفقد وهو حر أو يعتق بعد أن فقد ومثل هذا كثير ، وأما قوله : إن الحاكم يضمن إن فعل ; لأنه من الخطأ الذي لا يعذر فيه فليس بصحيح ، وإن كان الشيخ من أيقن بالحدث وشك في الوضوء بعده ابن عتاب قد قاله فإنما قاله انحرافا لمخالفة من خالفه من أصحابه ، وأفتى ببيع أصول الغائب في نفقة الأبوين ، وإنما قلنا إن ذلك ليس بصحيح ; لأن ابن المواز حكى الإجماع في ذلك ، وإن وجد في بعض المسائل الخلاف في ذلك فهو شذوذ خارج عن الأصول وما في إرخاء الستور منها وسماع في العتبية من بيع مال الغائب ونفقة أبويه يحمل على ما عدا الأصول استحسانا أيضا على غير قياس ; لأن القياس على ما ذكرناه أن لا ينفق عليهما في مغيبه بشيء من ماله إذ لا يؤمن من أن يكون قد مات أو قد استدان من الديون ما هو أحق به من نفقة أبويه ، ولهذه العلة قالوا إن الغائب لا يؤخذ من ماله الناض الزكاة وبالله التوفيق ، انتهى . أصبغ
( فرع ) ونقل البرزلي كلام ابن رشد هذا في مسائل الأنكحة ، ونقل ابن عرفة كلام المدونة وكلام ابن سهل وابن رشد في كلامه على نفقة الوالدين من مختصره ، وكلام المدونة المشار إليه في إرخاء الستور هو قبل ترجمة الحكمين بأسطر [ ص: 204 ] ونصه بعد أن ذكر نفقة الزوجة ونفقة الأولاد ونفقة الأبوين : ويعدى على الغائب في بيع ماله للنفقة على من ذكرنا ، انتهى .
( فرع ) قال البرزلي في مسائل الأنكحة ، وسئل عمن المازري . ؟ فأجاب الإعداء بالنفقة من يوم الحلف لا من يوم انعقاد البيع ، انتهى . وكررها في موضع آخر ، وقال عقيبها : أثبتت غيبة زوجها وعدم نفقته وأنه لا مال له سوى ربع وأمرت باليمين فحلفت ونودي على الربع واستقر على المشتري ولم ينعقد البيع ، فهل يعدى لها بالنفقة من يوم الحلف أو من الحكم بالبيع قلت : تقدم أنه يفرض لها مما ذكرت أنه بيدها من يوم الرفع ، انتهى .