قال : ( لم يكن ذلك عوضا ; لأنها هبة واحدة ) ، وقد بينا أن عقد الشيء في عقد واحد لا يكون عوضا ومعوضا ، وقد علمنا أن هذا لم يكن مقصود الواهب في الهبة ، قال : ( وإن رجل وهب لرجل خمسة دراهم ، وثوبا ، وقبض ذلك الموهوب له ، ثم عوضه الثوب أو الدراهم من جميع الهبة : فهذا عوض نأخذ فيه بالقياس ) . وروى كانا في عقدين مختلفين في مجلس ، أو مجلسين ، فعوضه أحدهما على الأخرى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله : أنه لا يكون عوضا لأنا نعلم أن الواهب لم يقصد هذا ; فقد كان مملوكا له . فالعقد الواحد والعقدان في هذا المعنى سواء . وجه ظاهر الرواية أن اختلاف العقد كاختلاف العين ، ويستقيم جعل أحدهما عوضا عن الآخر شرطا عند اختلاف العقد ، فكذلك مقصودا ، وقد يقصد الواهب هذا بأن يهب شيئا ، ثم يحتاج إليه ، فيندم ، فيستقبح الرجوع فيه ، فيهب منه شيئا آخر - على أن يعوضه الأول - فيحصل منه مقصوده ، ويندفع عنه مذمة الرجوع في الهبة .
أرأيت لو كان الأول منهما صدقة ، والآخر هبة فعوضه الصدقة عن الهبة ، أما كان ذلك عوضا ، ، وذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله تعالى - : لو : لم يجز في قول وهب نصف داره من رجل ، وتصدق عليه بنصفها وسلم الكل ; لأن اختلاف السبب كتفرق العقد والتسليم فكأنه وهب النصف وسلم ، ثم النصف . وقال زفر أبو يوسف رحمه الله : التسليم حصل جملة واحدة بعقد هو تبرع كله ; فيجوز كما لو وهب الكل ; وهذا لأن الفرق بين الصدقة والهبة : في مقصود العوض . ففي الصدقة ، المقصود : الثواب - دون العوض - وفي الهبة ، المقصود : العوض . فأما في إخراج العين عن ملكه ، وتمليك القابض بطريق التبرع : لا فرق بينهما .