قال : ( وإن أكل الصيد كله إلا ما بان عنه ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { رمى صيدا بسيف فأبان منه عضوا ومات } ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 254 ] تحريم ما كانوا يعتادونه في الجاهلية ، فإنهم كانوا يقطعون بعض لحم الألية من الشاة وربما لا يقطعون بعض لحم العجز منها فيأكلونه فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ; لأن فعل الذكاة لا يتحقق في المبان مقصودا ، وأصل الشاة حية ، وبدون الذكاة لا يثبت الحل ، وهذا المعنى موجود هنا فحكم الذكاة استقر في الصيد بعد ما مات ، وهذا العضو مبان من حين مات ، فلا يسري حكم الذكاة إلى ذلك العضو ، ولا يمكن إثبات حكم الذكاة في ذلك العضو مقصودا بالإبانة ، كما لو بقي الصيد حيا ; فلهذا لا يؤكل ذلك العضو ، وإن لم يكن بان ذلك العضو منه أكل كله ; لأن بقاء الاتصال يسري حكم الذكاة إلى ذلك العضو فيكون حلالا كغيره ، وإن كان تعلق منه بجلدة ، فإن كان بمنزلة ما قد بان منه فلا يؤكل ، ومراده من ذلك إذا كان بحيث لا يتوهم اتصاله بعلاج فهو والمبان سواء ، وإن كان بحيث يتوهم ذلك ، فهذا جرح وليس بإبانة فيؤكل كله ، وإن قطعه نصفين يؤكل كله ; لأن فعله أثمر ما يكون من الذكاة إذ لا يتوهم بقاؤه حيا بعد ما قطعه نصفين طولا ، وإن قطع الثلث منه مما يلي العجز فأبانه ، فإنه يؤكل الثلثان اللذان مما يلي الرأس ، ولا يؤكل الثلث مما يلي العجز ، فإن قطع الثلث مما يلي الرأس فأبانه ، فإنه يؤكل كله ; لأن ما بين النصف إلى العنق مذبح يريد به أن الأوداج من القلب إلى الدماغ ، وإن قطع الثلث مما يلي العجز لم يستقر فعل الذكاة بهذا حين لم تقطع الأوداج ، وإنما استقر بموته ، وهذا الجرح مبان عنه عند ذلك ، فأما إذا أبان الثلث مما يلي الرأس فقد استقر حكم الذكاة بقطع الأوداج بنفسه ، وكذلك إن قده نصفين فقد استقر فعل الذكاة بقطع الأوداج ; فلهذا يؤكل كله ، فإن أبان طائفة من رأسه ، فإن كان أقل من النصف لم يؤكل ما بان منه ; لأن الرأس ليس بمذبح فهو كما لو أبان جزءا من الذنب ، وإن كان النصف أو أكثر أكل ; لأنه يتقطع الأوداج به فيكون فعله ذكاة بنفسه . ما أبين من الحي فهو ميت