ولو حنث ; لأن عين الدقيق لا يؤكل عادة ، فتنصرف يمينه إلى ما يتخذ منه ، كما لو حلف لا يأكل من هذه النخلة ، واختلف مشايخنا فيما لو أكل عين الدقيق ، فمنهم من يقول : يحنث ; لأنه أكل الدقيق حقيقة ، والعرف وإن اعتبر ، فالحقيقة لا تسقط به ; وهذا لأن عين الدقيق مأكول ، والأصح أنه [ ص: 181 ] لا يحنث ; لأن هذه حقيقة مهجورة ، ولما انصرفت اليمين إلى ما يتخذ منه للعرف ، يسقط اعتبار الحقيقة كمن حلف لا يأكل من هذا الدقيق شيئا ، فأكل خبزه لم يحنث ; لأنه لما انصرف إلى العقد لم يتناول حقيقة الوطء ، وإن كان عني أكل الدقيق بعينه ، لم يحنث بأكل الخبز ; لأنه نوى حقيقة كلامه ، ولو حلف لا يأكل من هذه الحنطة شيئا ، فإن نوى يأكلها حبا ، كما هو فأكل من خبزها أو سويقها لم يحنث ; لأن المنوي حقيقة كلامه ، فهو كالملفوظ ، وإن لم يكن له نية ، فأكل من خبزها لم يحنث في قول قال للأجنبية : إن نكحتك فعبدي حر ، فزنى بها رحمه الله تعالى ، ويحنث في قول أبي حنيفة أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال في الكتاب : يمينه على ما يصنع منها ، وهذا إشارة إلى أن عندهما لو أكل من عينها لم يحنث ، ولكن ذكر في الجامع الصغير : وإن أكل من خبزها يحنث عندهما أيضا ، فهذا يدل على أنه يحنث بتناول عين الحنطة عندهما ، وهو الصحيح . ومحمد
وجه قولهما : إن أكل الحنطة في العادة هكذا يكون ، فإنك تقول : أكلنا أجود حنطة في الأرض ، تريد الخبز ، ويقال : أهل بلدة كذا يأكلون الحنطة ، وأهل بلدة كذا يأكلون الشعير ، والمراد الخبز ، إلا أن رحمه الله تعالى يقول : عين الحنطة مأكول عادة ، فإنها تقلى فتؤكل ، وتغلى فتؤكل ، ويتخذ منها الهريسة ، ومن انعقدت يمينه على أكل عين مأكولة ، ينصرف يمينه إلى أكل عينه دون ما يتخذ منه كالعنب والرطب ; وهذا لأن لكلامه حقيقة مستعملة ومجازا متعارفا ، ولا يراد باللفظ الواحد الحقيقة والمجاز ; لأن المجاز مستعار ، والثوب الواحد في حالة واحدة لا يتصور أن يكون ملكا وعارية ، فإذا كانت الحقيقة مرادة هنا يتنحى المجاز ، وهما لا ينكران هذا الأصل ، ولكنهما يقولان : إذا أكل الحنطة إنما يحنث باعتبار عموم المجاز لا باعتبار الحقيقة ، وقد بينا نظائره في وضع القدم وغيره . ( قال ) : وإذا أكل من سويقها لم يحنث في قول أبا حنيفة أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وكذلك قول وأبي يوسف أيضا ; لأن الموجود في الحنطة لبها ، وهو ما يصير بالطحن دقيقا ، ومن أصل محمد أبي يوسف رحمهما الله تعالى أن السويق جنس آخر غير الدقيق ، ولهذا جوزا بيع السويق بالدقيق متفاضلا ، فما تناول ليس من جنس ما كان موجودا في الحنطة التي عينها فلا يحنث ، وعند ومحمد رحمه الله تعالى يمينه تناولت الحقيقة ، فلا يحنث بأكل السويق ، وإن حلف لا يأكل من هذا الطلع شيئا ، فأكل منه بعد ما صار بسرا لم يحنث ; لأن الطلع عينه مأكول ، ومتى عقد يمينه على أكل ما تؤكل عينه ، لا ينصرف يمينه إلى ما يكون منه ، ثم البسر ليس من جنس الطلع . أبي حنيفة
ألا ترى أن بيع البسر [ ص: 182 ] بالطلع يجوز كيف ما كان ، وكذلك لو ; لأن البسر عينه مأكول ، ولأن الرطب وإن كان من جنس البسر ، إلا أن الإنسان قد يمتنع من تناول البسر ، ولا يمتنع من تناول الرطب ، والأصل أنه متى عقد يمينه على عين بوصف ، يدعو ذلك الوصف إلى اليمين ، يتقيد اليمين ببقاء ذلك الوصف ، وينزل منزلة الاسم ، ولهذا لو حلف لا يأكل من هذا البسر فأكل منه بعد ما صار رطبا لم يحنث ; لأن صفة الرطوبة داعية إلى اليمين ، فقد يمتنع الإنسان من تناول الرطب دون التمر ، وهذا بخلاف ما لو حلف لا يأكل من هذا الرطب ، فأكله بعد ما صار تمرا يحنث ; لأن صفة الشاب ليست بداعية إلى اليمين ، وكذلك لو حلف لا يكلم هذا الشاب ، فكلمه بعد ما شاخ يحنث ; لأن الصفة المذكورة ليست بداعية إلى اليمين ، ولو حلف لا يأكل من هذا الحمل ، فأكله بعد ما كبر لم يحنث ; لأن الشرب غير الأكل فإن الله تعالى قال { حلف لا يأكل من هذا السويق ، فشربه : كلوا واشربوا } ، والشيء لا يعطف على نفسه ، وقد بينا حد كل واحد من الفعلين ، وكذلك لو ، أو حلف لا يشربه ، فأكله لم يحنث ، وأكل اللبن بأن يثرد فيه الخبز ، وشربه أن يشربه كما هو ، ولو تناول شيئا مما يصنع منه كالجبن والأقط لم يحنث ; لأن عينه مأكول ، وقد عقد اليمين عليه ، ألا ترى أنه لو حلف لا يأكل من هذا اللبن فشربه لم يحنث . حلف لا يذوق من هذا الخمر ، فذاقه بعد ما صار خلا