وإذا لم يحنث في قول حلف لا يسكن دار فلان هذه ، فباعها فسكن الحالف ، ولم يكن له نية أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وقال وأبي يوسف محمد رحمهما الله تعالى : يحنث ، وكذلك العبد والثوب ، وكل ما يضاف إلى إنسان بالملك . وجه قول وزفر محمد رحمهما الله تعالى أنه جمع في كلامه بين الإشارة والإضافة ، فيتعلق الحكم بالإشارة ; لأنها أبلغ في التعريف من الإضافة ، فإنها تقطع الشركة ، والإضافة لا تقطع الشركة ، فكان هذا بمنزلة قوله : لا أسكن هذه الدار والدليل عليه ما وزفر يحنث لما قلنا . لو قال : والله لا أكلم زوجة فلان هذه صديق فلان هذا ، فكلم بعدما عاداه ، وفارقها
وكذلك يحنث لو قال : لا أكلم صاحب هذا الطيلسان ، فكلم بعد ما باع الطيلسان رحمه الله تعالى يقول : عقد يمينه على ملك يضاف إلى مالك ، فلا يبقى بعد زوال الملك ، كما لو كان أطلق دار فلان ، وتحقيقه من وجهين : ( أحدهما ) أن الدار لا يقصد هجرها لعينها ، بل لأذى حصل من مالكها ، واليمين تتقيد بمقصود الحالف فصار بمعرفة مقصوده كأنه قال : مادام لفلان بخلاف الزوجة والصديق ، فإنه يقصد هجرانهما لعينها ، وكذلك قوله لصاحب الطيلسان ; لأنه يقصد هجرانه لعينه لا لطيلسانه ، فكان ذكر هذه الأشياء للتعريف لا لتقييد اليمين . ( فإن قيل ) في العبد : هو آدمي ، فيقصد هجرانه لعينه ، ومع ذلك قلتم : إذا وأبو حنيفة لا يحنث . ( قلنا ) : ذكر حلف لا يكلم عبد فلان هذا ، فكلمه بعد ما باعه في نوادره أن عند ابن سماعة رحمه الله تعالى يحنث بهذا في العبد . أبي حنيفة
ووجه ظاهر الرواية أن العبد مملوك ساقط المنزلة عند الأحرار ، فالظاهر أنه إذا كان الأذى منه لا يقصد هجرانه باليمين ، فلا يجعل له هذه المنزلة ، ولكن إنما يحلف إذا كان الأذى من ملكه ; ولأن إضافة المملوك إلى المالك حقيقة كالاسم ، ثم لو جمع في يمينه بين ذكر الاسم والعين ، وزال الاسم لم يبق اليمين ، كما لو لم يحنث لزوال الاسم ، فكذلك إذا جمع بين الإضافة والتعيين فزالت الإضافة لا يبقى اليمين ، بخلاف الزوجة والصديق ، فالإضافة هناك ليست بحقيقة ، ولكنه تعريف كالنسبة ، وكما أنه يتعلق اليمين بالعين دون النسبة ، فكذلك هنا يتعلق بالعين دون الإضافة ، فإن نوى أن لا يسكنها وإن زالت الإضافة فله ما نوى ; لأنه شدد الأمر على نفسه بنيته ، وكذلك عند حلف لا يدخل هذه الدار بعينها ، فجعلت بستانا فدخل رحمه الله تعالى لو نوى أن لا يسكنها ما دامت لفلان فله ما نوى ; لأن المنوي من محتملات لفظه . محمد