( قال ) فإن لقوله صلى الله عليه وسلم { تزوجت الأم فللأب أن يأخذ الولد منها } فإنما جعل الحق لها إلى أن تتزوج وحكم ما بعد الغاية مخالف لما قبل ذلك ; ولأنها لما تزوجت فقد اشتغلت بخدمة زوجها فلا تتفرغ لتربية الولد والولد في العادة يلحقه الجفاء والمذلة من زوج الأم فكان للأب أن لا يرضى بذلك فيأخذ الولد منها . ( قال : ) وأم الأم في ذلك سواء بمنزلة الأم بعدها ; لأن حق الحضانة بسبب الأمومة وهي أم تدلي بأم فهي أولى من أم الأب ; لأنها تدلي بقرابة الأب ، وقرابة الأم في الحضانة مقدمة على قرابة الأب . ( قال : ) ويستوي إن كانت الأم مسلمة ، أو كتابية أو مجوسية ; لأن حق الحضانة لها للشفقة على الولد ولا يختلف ذلك باختلاف الدين على ما قيل : كل شيء يحب ولده حتى الحبارى . ومن مشايخنا من يقول : إذا كانت كافرة فعقل الولد فإنه يؤخذ منها جارية كانت ، أو غلاما ; لأنه مسلم بإسلام الأب وإنها تعلمها الكفر فلا تؤمن من الفتنة إذا تركت عندها فلهذا تؤخذ منها ، فإن كان لأم الأم زوج نظرنا ، فإن كان زوجها جد الولد فهي أحق به ; لأن جد الولد يكون مشفقا عليه ولا يلحقه الأذى والجفاء من جهته ، وإن كان أجنبيا فلا حق لها في الولد كالأم إذا تزوجت أجنبيا . ( قال : ) وأم الأب بعدها أحق بهم عندنا وعلى قول ما لم تتزوجي رحمه الله تعالى الأخت من الأب والأم ، أو من الأم ، أو الخالة أحق من الجدة أم الأب ; لأنها تدلي بقرابة الأب ، ومن سمينا بقرابة الأم . واستحقاق الحضانة باعتبار قرابة الأم . ولكنا نقول هذه أم في نفسها كأم الأم ، والأم مقدمة على غيرها في الحضانة ، ثم أصل الشفقة باعتبار الولاد وذلك للجدات دون الأخوات والخالات فلهذا كانت أم الأب أحق ، وإن كان لها زوج ، فإن كان زوجها جد الولد ، فكذلك زفر والأخت لأب وأم أولى من الأخت لأم . وعلى قول ، وإن كان زوجها أجنبيا ، أو كانت هي ميتة فحق الحضانة إلى الأخوات رحمه الله تعالى هما مستويتان ; لأن ثبوت هذا الحق بقرابة الأم وهما سواء في ذلك [ ص: 211 ] ولكنا نقول قرابة الأخت لأب وأم من جهتين ، والشفقة بالقرابة ، فذو القرابتين يكون أشفق فكان بالحضانة أحق ، ويجوز أن يقع الترجيح بما لا يكون علة الاستحقاق . زفر
ألا ترى أن الأخ لأب وأم مقدم في العصوبة على الأخ لأب بسبب قرابة الأم ، وقرابة الأم ليست بسبب لاستحقاق العصوبة بها ثم الأخت لأم تقدم على الأخت لأب ; لأن استحقاق الحضانة بقرابة الأم وهي تدلي بقرابة الأم والأخرى إنما تدلي بقرابة الأب ، ثم بعد الأخت لأم قال في كتاب النكاح الأخت لأب أولى من الخالة وفي كتاب الطلاق قال : الخالة أولى من الأخت لأب ففي رواية كتاب النكاح اعتبر قرب القرابة ، والأخت لأب أقرب ; لأنها ولد الأب والخالة ولد الجد وفي كتاب الطلاق اعتبر المدلي به فقال : الخالة تدلي بالأم والأخت لأب تدلي بالأب والأم في مقدمة على الأب ، فكذلك من يدلي بقرابة الأم يكون مقدما على من يدلي بقرابة الأب ، ثم بعد الأخوات بناتهن على الترتيب الذي ذكرنا في الأخوات . وبنات الأخوات في الحضانة أحق من بنات الإخوة ; لأن المدلي به في بنات الإخوة لم يكن له حق في الحضانة بخلاف بنات الأخوات ، ثم بعدهن الخالة لأب وأم ، ثم بعدها الخالة لأب . والدليل على ثبوت حق الحضانة للخالات ما روي { حق الحضانة علي بن أبي طالب وجعفرا رضي الله عنهم اختصموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وزيد بن حارثة ابنة حمزة رضي الله عنه فقال رضي الله عنه بنت عمي فأنا أحق بها وقال علي جعفر رضي الله عنه ابنة عمي وخالتها عندي وقال رضي الله عنه ابنة أخي آخيت بيني وبينه يا رسول الله فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة لجعفر رضي الله عنه } فقال الخالة أم . والترتيب في الخالات على قياس الترتيب في الأخوات وهن أحق بالحضانة من العمات ; لأن الخالة تدلي بالأم والعمة تدلي بالأب واستحقاق الحضانة بقرابة الأم فلهذا قدمت الخالة في ذلك على العمة ، ثم بعد الخالات العمات فالتي من الأب والأم تقدم ، ثم بعدها التي من الأم ، ثم التي من الأب على قياس الخالات وبنت الأخ أولى من العمات ; لأن كل واحدة منهما تدلي بمن لا حق له في الحضانة ولكن بنت الأخ أقرب والخالة أولى من بنت الأخ ; لأن الخالة تدلي بمن لها حق في الحضانة وهي الأم وابنة الأخ تدلي بمن ليس له حق في الحضانة فلهذا كانت الخالة أحق . أن
( قال : ) ; لأن ترك الجارية عند الأم والجدتين لتعليم أعمال داخل البيت وإنما يتأتى [ ص: 212 ] ذلك بالاستخدام وللأم والجدتين حق الاستخدام وليس لغيرهن ممن سمينا حق الاستخدام ولا يحصل مقصود تعليم الأعمال إلا بذلك فلهذا أخذ منهن ، ثم بعدما استغنى الغلام ، أو حاضت الجارية عند الأم والجدتين ، أو استغنت عند غيرهن فالأب أحق بالولد ، ثم بعده الجدات لأب ، ثم الأخ من الأب والأم ، ثم الأخ من الأب ; لأن ولاية الضم إلى نفسه بعد هذا باعتبار العصوبة فمن يكون مقدما في العصوبة من ذي الرحم المحرم أولى بذلك وقد بينا ترتيب العصبات في أول الكتاب ولا حق لابن العم في ذلك ; لأنه رحم غير محرم فلا يؤمن منه أن يطمع فيها فلهذا لا يكون له أن يضمها ، وإن كانت ولاية التزويج له باعتبار العصوبة . وليس لمن سوى الأم والجدتين حق في الولد إذا أكل وشرب ولبس وحده جارية كانت ، أو غلاما
( قال : ) وإذا فأفضلهم صلاحا وورعا أحق به ; لأن ضمه إلى أقرب العصبات لمنفعة الولد ; ولهذا قدم الأقرب . وضمه إلى أبينهم صلاحا أنفع للولد ; لأنه يتخلق بأخلاقه فإن كانوا في ذلك سواء فأكبرهم أحق لقوله صلى الله عليه وسلم { اجتمع إخوة لأب وأم } ولأن حق أكبرهم أسرع ثبوتا فعند التعارض يترجح ذلك ، وكذلك الأعمام بعد الإخوة ثم الغلام إذا بلغ رشيدا فله أن ينفرد بالسكنى وليس للأب أن يضمه إلى نفسه إلا أن يكون مفسدا مخوفا عليه فحينئذ له أن يضمه إلى نفسه اعتبارا لنفسه بماله فإنه بعد ما بلغ رشيدا لا يبقى للأب يد في ماله فكذلك في نفسه وإذا بلغ مبذرا كان للأب ولاية حفظ ماله ، فكذلك له أن يضمه إلى نفسه إما لدفع الفتنة ، أو لدفع العار عن نفسه فإنه يعير بفساد ولده . الكبر الكبر