( قال : ) وإذا فهما مصدقان على ذلك وله أن يتزوجها ، وإن ثبت على قوله الأول ، وقال : هو حق كما قلت ثم تزوجها فرق بينهما ، ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها ، وهذا استحسان ، وفي القياس الجواب في الفصلين سواء ; لأنه أقر بأنها محرمة عليه على التأبيد ، والمقر به يجعل في حق المقر كالثابت بالبينة أو بالمعاينة ، والرجوع عن الإقرار [ ص: 144 ] باطل ; لأنه ملزم بنفسه فسواء رجع أو ثبت كان النكاح باطلا بزعمه فيفرق بينهما ، ولا مهر لها عليه ، ولكنه استحسن فقال : هذا شيء يقع فيه الاشتباه فقد يقع عند الرجل أو بينه وبين امرأته رضاع فيخبر بذلك ثم يتفحص عن حقيقة الحال فيتبين له أنه قد غلط في ذلك ، وفيما يقع الاشتباه إذا أخبر أنه غلط فيه يجب قبول قوله شرعا لوجهين : أقر الرجل أن هذه المرأة أخته أو أمه أو ابنته من الرضاعة ثم أراد بعد ذلك أن يتزوجها ، وقال : أوهمت أو أخطأت أو نسيت وصدقته المرأة
( أحدهما ) أن الحل والحرمة من حق الشرع ، فإذا تصادقا على أنهما قد غلطا ، فليس هنا من يكذبهما في خبرهما .
( والثاني ) أن إقراره في الابتداء لم يكن على نفسه إنما كان عليها بحرمتها عليه والحل والحرمة صفة المحل وإقرار الإنسان على الغير لا يكون لازما ، فإذا ذكر أنه غلط فيه فهو لا يريد بهذا إبطال شيء لزمه فلهذا قبل قوله في ذلك ، وإن أقرت المرأة بذلك وأنكر الزوج ثم أكذبت المرأة نفسها ، وقالت أخطأت فالنكاح جائز ، وكذلك لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها فالنكاح جائز ، ولا تصدق المرأة على قولها ; لأن حقيقة المحرمية لا تثبت بالإقرار ، فإنه خبر محتمل متمثل بين الصدق والكذب ، ولكن الثابت على الإقرار كالمجدد له بعد العقد ، وإقرارها بالمحرمية بعد العقد باطل فكذلك إقرارها به قبل العقد ، وأما إقراره بالحرمة بعد العقد صحيح موجب للفرقة ، وكذلك إذا أقر به قبل العقد وثبت على ذلك حتى تزوجها ، فإن قيل كان ينبغي أن يجب لها نصف المهر كما لو ابتدأ بعد النكاح قلنا إنما لا يجب لوجود التصديق منها على بطلان أصل النكاح ، أو لأنه غير متهم بالقصد إلى إسقاط المهر إذ سبق الإقرار منه بوجوب المهر بالنكاح ، يوضح الفرق بينهما أن الإقرار إنما يصح إذا كان مؤثرا في الملك ، إما بالمنافاة أو بالإزالة ، وإقرار الرجل مؤثر في ذلك فكان معتبرا في المنع من صحة النكاح إذا ثبت عليه ، وإقرار المرأة غير مؤثر في ذلك ، فلا يمنع صحة النكاح .
( قال : ) وإذا فرق بينهما ، ولا ينفعه جحوده ; لأنه لما ثبت على مقالته في الابتداء وزعم أنه حق لا غلط فيه فقد لزمه حكم إقراره وصار كالمجدد لذلك الإقرار بعد النكاح فيفرق بينهما ، ولا ينفعه الجحود ، ولو أقرا بذلك جميعا ثم كذبا أنفسهما ، وقالا : أخطأنا ثم تزوجها فالنكاح جائز ، وكذلك هذا الباب في النسب ليس يلزم من هذا إلا ما بينا عليه ; لأن الغلط والاشتباه فيه أظهر ، فإن سبب النسب أخفى من سبب الرضاع فكما أن هناك الإقرار بدون الثبات عليه لا يوجب الحرمة فكذلك هنا . أقر الزوج بهذه المقالة وثبت عليها وأشهد الشهود ثم تزوجته المرأة ولم يعلم بذلك ثم جاءت بهذه الحجة بعد النكاح