( قال : ) عندنا ، وعلى قول نفاة القياس رضي الله عنهم يجوز ، وكذلك ولا يحل للعبد أن يتزوج مولاته ولا امرأة لها في رقبته شقص فهو على هذا الخلاف ، واستدلوا بظاهر قوله تعالى : { الحر إذا تزوج أمته أو أمة له فيها شقص فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وبقوله : { فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } وحجتنا في ذلك قوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } الآية ، فإنما خاطب الله تعالى الموالي بإنكاح الإماء لا بنكاحهن ، ولأن العبد إذا تزوج بمولاته فهي تستوجب عليه النفقة بالنكاح وهو يستوجب عليها النفقة بملك اليمين فيتقاصان ويموتان جوعا ، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى ، والحر إذا تزوج أمته ، فهذا العقد غير مفيد ; لأن موجب النكاح ملك الحل ، ومحل الحل ثابت له تبعا لملك الرقبة ، ولأن النكاح إنما شرع في الأصل لضرورة الحاجة إليه ، وعند ملكه رقبتها لا حاجة فلم يكن [ ص: 130 ] مشروعا أصلا ، ثم قيام الملك في شقص منها ينزل منزلة قيام الملك في جميعها في حرمة النكاح احتياطا ، وإن كان لا ينزل منزلة ذلك في حل الوطء ، وعلى هذا لو تزوج مكاتبته فالنكاح باطل لقيام الملك له في رقبتها ، وإن كان هو ممنوعا من وطئها بسبب الكتابة ، فإن وطئها كان لها المهر بمنزلة ما لو وطئها قبل النكاح ، وهذا لأن الحد يسقط للشبهة فيجب المهر ، وهي بعقد الكتابة صارت أحق بنفسها ومكاسبها ، والمستوفى بالوطء في حكم جزء من عينها ، ولو قطع المولى يدها كان الأرش لها فكذلك إذا وطئها .
ألا ترى أن الواطئ لو كان غير المولى كان المهر لها ، فإن عتقت بعد هذا النكاح لم يجز ذلك النكاح ; لأنه تعين فيه جهة البطلان لملكه رقبتها ، فلا ينقلب صحيحا ، وإن زال ذلك الملك ، وكذلك إن تزوج المكاتب مولاته ودخل بها فعليه المهر لسقوط الحد بشبهة النكاح ، ولا يجوز النكاح ، وإن عتق لما قلنا ، وإن تزوج المكاتب أو العبد بنت مولاه بإذنه جاز النكاح ; لأنه لا ملك لها في رقبته ، ولا حق ملك ما دام الأب حيا ، فإن مات المولى فسد نكاح العبد لأنها ملكت رقبة زوجها إرثا ، وملكها رقبة الزوج لو اقترن بالنكاح منع صحة النكاح ، فإذا طرأ على النكاح يرفع النكاح أيضا ; لأن المنافي يؤثر سواء كان طارئا أو مقارنا ، فأما نكاح المكاتب لا يفسد بموت المولى عندنا وعند رحمه الله تعالى يفسد وهو بناء على أن رقبة المكاتب لا تورث عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى تورث ، وأصل المسألة أن الشافعي عندنا كالتركة المستغرقة بالدين ، والمكاتب أيضا مشغول بحاجته ، وعند المشغول بحاجة المورث لا يملكه الوارث رحمه الله تعالى كل ما كان مملوكا للمورث ، فإذا لم يخرج بموته من أن يكون مملوكا للمورث يصير مملوكا لوارثه ، وحجته على سبيل الابتداء في هذه المسألة أنها لو تزوجت به ابتداء بعد موت المولى لا يصح النكاح ، فكذا لا يبقى النكاح كما في العبد ، وتقريره أن الوارث خلافة ، ورقبة المكاتب كانت مملوكة للمولى فيخلفه وارثه فيه بعد الموت . الشافعي
ألا ترى أنه لو عجز كان مملوكا للوارث وعجزه ليس بموجب ملك الرقبة للوارث ابتداء ، فعرفنا أنه كان مالكا قبل ذلك ، وحجتنا في ذلك أن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك فكذلك لا يملك بالإرث كالمدبر ، والدليل عليه أنه لو أدى بدل الكتابة كان ولاؤه للمولى ، وإنما يثبت الولاء لمن يعتق على ملكه ، فتبين بهذا أنه باق على ملك المولى لحاجته إلى ذلك واستحقاقه ولاءه بعقد الكتابة ، ولهذا يملك بعد العجز ; لأن المانع حق المولى وقد زال فيكون ذلك السبب عاملا في إيجاب الملك بعد زوال المانع ، وأما إذا تزوجت [ ص: 131 ] به ابتداء بعد موت المولى إنما لا يجوز ; لأنه ثبت لها حق أن تتملك رقبته عند زوال المانع ، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح ، ولا يمنع بقاءه ، ولهذا لو لا يفسد النكاح ، ولو اشترى المكاتب امرأة مولاه لا يجوز ، وكذلك لو اشترى المكاتب امرأة نفسه لا يفسد النكاح ، ولو تزوجها ابتداء لم يصح ، وكذلك لو تزوج أمة مكاتبه فهو جائز ، فإن مات أبوه كانت الكفالة على حالها ، ولو كفل له بمال مستقبل عنه بعد موت أبيه لم يجز ، ومن غير هذا الباب العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء ، والإباق يمنع ابتداء البيع ولا يمنع البقاء ، فالقياس في هذا كثير ، وإذا ثبت بقاء النكاح قلنا : إن أعتق المكاتب فهي امرأته ; لأنه بالعتق ازداد بعدا عنها ، وإن عجز ورد في الرق بطل النكاح ، ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها ; لأن بطلان النكاح يقرر المنافي ، وذلك إذا وجد قبل الدخول أبطل النكاح من الأصل ، فلا يوجب شيئا من المهر كالمحرمية ، وإن كان قد دخل بها فلها المهر في رقبته يبطل منه بقدر حصتها ; لأنها ملكت بعض رقبته ، والمولى لا يستوجب على مملوكه دينا . كفل رجل عن المكاتب بمال لابن مولاه