( قال : ) فإن فإنه يكمل لها عشرة دراهم عندنا ، وعند تزوجها على دراهم أو شيء من العروض لا تبلغ قيمته عشرة دراهم رحمه الله تعالى لها ما سمى ، والأصل عنده أن كل ما يصلح ثمنا في البيع يصلح صداقا في النكاح ، وعندنا أدنى المهر عشرة دراهم من الفضة أو مما تكون الفضة فيه غالبة على الغش ، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم { الشافعي المهر جائز قليله وكثيره } ، وفي رواية { } ، وفي رواية { المهر ما تراضى عليه الأهلون } ، وروي { من استحل بدرهم فقد استحل } فهذه الآثار تدل على أن المهر لا يتقدر بشيء ، وكذلك في الكتاب الشرط هو المال المطلق قال الله تعالى : { أن امرأة [ ص: 81 ] عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير فيها رغبة فقال : مالي حاجة إلى النساء فقالت : زوجني ممن شئت فقام رجل فقال : زوجها مني فقال : ماذا تصدقها ؟ فقال : إزاري هذه فقال : إذا قعدت ، ولا إزار لك التمس ، ولو بفلس التمس ولو خاتما من حديد فقال : لا أجد فقال : هل تحسن شيئا من القرآن ؟ فقال : نعم سورة كذا فقال : زوجتكها بما عندك من القرآن أن تبتغوا بأموالكم } فتقييد ذلك المال بالعشرة يكون زيادة على النص ، وحجتنا في ذلك حديث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { جابر } ، وفي حديث ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ، ولا يزوجن إلا من الأكفاء ، ولا مهر أقل من عشرة دراهم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عبد الله بن عمر } ، وفي الكتاب قال : بلغنا ذلك عن لا قطع في أقل من عشرة دراهم ، ولا مهر أقل من عشرة دراهم علي وابن عمر وعائشة وعامر رضوان الله عليهم أجمعين . وإبراهيم
والمعنى فيه : أنه بدل في عقد لم يجعل إيجاب أصله إلى المتعاقدين فيكون مقدرا شرعا كالدية ، وبيان ذلك أن النكاح لا ينعقد صحيحا إلا موجبا للعوض إما في الحال ، أو في الثاني على ما بينا ، وإنما كان اشتراط العوض فيه شرعا ; لإظهار خطر البضع ، ولا يحصل هذا المقصود بأصل المالية فاسم المال يتناول الخطير ، والحقير ، وإنما يحصل إظهار الخطر بمال مقدر وإليه أشار الله تعالى في قوله : { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } ، والبضع من وجه في حكم النفوس حتى لا يسقط حكم الفعل فيه بالبدل ; ولأن الوطء سبب ; لإعلاق النفس ، وإذا كان بغير ملك يضيع ; لانعدام من ينفق عليه فكان الخطر هنا في معنى الخطر في النفوس ، والمال الذي هو بدل عن النفوس مقدر شرعا ، وهو الدية ; وهذا لأن كل مال أوجبه الشرع تولى بيان مقداره كالزكاة وغيرها ، فكذا الصداق مما أوجبه الشرع ، فيكون مقدرا شرعا ، وإليه أشار الله تعالى في قوله : { قد علمنا ما فرضنا عليهم } الآية معناه ما قدرنا فإن الفرض عبارة عن التقدير ، وعلى هذا نصاب السرقة يدخله التقدير بالاتفاق ; لأنه يستباح به ما لا يستباح بالبدل فكذلك الصداق .
وتأويل الآثار المروية فيما يجعله لها باليد ، ألا ترى أنه أمر ذلك الرجل بالالتماس ، والصداق يمكن إثباته في الذمة فعرفنا أن المراد ما يجعله لها باليد ، وذلك غير مقدر شرعا عندنا ، وإذا ثبت هذا فنقول : إذا تزوجها على خمسة دراهم فلها عشرة دراهم استحسانا في قول علمائنا الثلاثة إن دخل بها أو مات [ ص: 82 ] عنها ، وإن طلقها قبل الدخول بها فلها خمسة ، وفي القياس لها مهر مثلها إن دخل بها ، والمتعة إن طلقها قبل الدخول بها ، وهو قول رحمه الله تعالى . زفر
وجه القياس أنه سمى ما لا يصلح أن يكون صداقا لها شرعا فيكون بمنزلة ما لو سمى لها خمرا أو خنزيرا وللاستحسان وجهان .
( أحدهما ) : أن العشرة في كونها صداقا لا تتجزأ وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله كما لو تزوج نصفها صح النكاح في الكل جميعا .
( الثاني ) : أن الإمهار إلى تمام العشرة حق الشرع ، وما زاد على ذلك حقها فإذا رضيت بالخمسة فقد أسقطت ما هو حقها ، وبعض ما هو حق الشرع فيعمل إسقاطها فيما هو حقها ، وهو الزيادة على العشرة ، ولا يعمل في حق الشرع ، وعلى هذا لو تزوجها على ثوب يساوي خمسة فلها الثوب وخمسة دراهم ، وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الثوب ودرهمان ونصف ، وإنما تعتبر قيمة الثوب يوم تزوجها عليه ، وكذلك إن سمى لها مكيلا أو موزونا ; لأن تقدير المهر واعتباره عند العقد .
وروى الحسن عن رحمهما الله تعالى في الثوب تعتبر قيمته يوم القبض ، وفي المكيل والموزون يوم العقد ; لأن المكيل والموزون يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا بنفس العقد ، والثوب لا يثبت ثبوتا صحيحا بل يتردد بينه وبين القيمة فلهذا يعتبر قيمته وقت القبض . أبي حنيفة