وكذلك لو كان فإن [ ص: 54 ] تزوجهما في عقدة واحدة بطل نكاحهما ، ولو كان تزويجهما في عقدين جاز نكاح الأولى ، وبطل نكاح الثانية عندهما ، وقال تحته أختان فأسلمن معه محمد رحمهما الله تعالى : يختار أيتهما شاء ويفارق الأخرى ، واستدل بحديث { والشافعي غيلان بن سلمة أنه أسلم وتحته ثمان نسوة ، وأسلمن معه فقال : صلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعا ، وفارق سائرهن وقيس بن حارثة رضي الله عنه أسلم ، وتحته عشر نسوة ، وأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا منهن الضحاك بن فيروز الديلمي أسلم وتحته أختان فقال : صلى الله عليه وسلم اختر أيتهما شئت } ، والمعنى فيه : أن هذه حرمة اعترضت في بعض المنكوحات بعد صحة النكاح فتوجب التخيير دون التفرق كما لو طلق إحدى نسائه لا بعينها ثلاثا .
وبيان ذلك : أن الأنكحة وقعت صحيحة في الأصل ; لأن حرمة الجمع بخطاب الشرع ، وقد بينا أن حكم هذا الخطاب قاصر عنهم ; لاعتقادهم بخلاف ذلك ما لم يسلموا ، ألا ترى أنه لو ماتت واحدة منهن أو بانت ثم أسلم ، وليس عنده إلا أربع منهن جاز نكاحهن سواء ماتت الأولى أو الأخيرة ، وإذا ثبت أن الأنكحة صحيحة كان العقد الواحد ، والعقود المتفرقة فيه بمنزلة الحربي إذا كان تحته أربع نسوة فسبي وسبين معه فإن العقد الواحد ، والعقود المتفرقة فيه سواء بالاتفاق ، وإن اختلفنا في التفريق أو التخيير ، وفرق رحمه الله تعالى في السير الكبير بين أهل الحرب محمد وأهل الذمة فقال : لو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة كان الجواب كما قاله رحمه الله تعالى ; لأن خطاب الشرع بحكم الشيوع في دار الإسلام يجعل ثباتا في حق أبو حنيفة أهل الذمة ، وإن كنا لا نتعرض لهم ما لم يسلموا ، وقد بينا هذا من أصلها رحمه الله تعالى يسوي بين أهل الحرب والشافعي ، وأهل الذمة فأما أبو حنيفة رحمهما الله استدلا بقوله تعالى : { وأبو يوسف وأن تجمعوا بين الأختين } فالجمع بين الأختين نكاحا حرام بهذا النص ، وبنكاح الأولى ما حصل الجمع فوقع نكاحها بحكم الإسلام ، وبنكاح الثانية حصل الجمع فلم يكن نكاحها صحيحا بحكم الإسلام ، وإنما وجب الاعتراض بعد الإسلام بسبب الجمع إذ لا سبب هنا سوى الجمع فتعين الفساد في نكاح من حصل الجمع بنكاحها ، وكان نكاحها فاسدا بحكم الإسلام دون من لم يحصل بنكاحها الجمع ، وكان نكاحها صحيحا بحكم الإسلام ، وإن تزوجهما في عقدة واحدة فالجمع حصل بهما ، ولم يكن إبطال نكاح إحداهما بأولى من الأخرى ، فبطل نكاحهما بمنزلة الحربية تحت رجلين إذا أسلمت وأسلما معها ، وكذلك في نكاح الخمس الحرمة بسبب [ ص: 55 ] الجمع بين ما زاد على الأربع .
فإنما حصل ذلك بنكاح الخامسة ، فصرف الفساد إليها أولى ، وإن كان تزوجهن في عقد واحد فالجمع حصل بهن جميعا ، وهذا بخلاف ما لو ماتت إحداهن أو بانت ; لأن الاعتراض بسبب الجمع بعد الإسلام فلا بد من بقاء الجمع المحرم بعد الإسلام حتى يجب الاعتراض ، ولم يبق ذلك إذا ماتت إحداهما أو بانت ، وهو نظير ما بانتا منه ، ولو أرضعت إحداهما فماتت ثم أرضعت الأخرى لم يبطل نكاح الثانية ; لأن الجمع إنما يتحقق عند إرضاع الثانية فإذا كانت الأولى في نكاحه تحقق الجمع بين الأختين ، وإن ماتت أو بانت لم يتحقق الجمع بين الأختين ، وهذا بخلاف المسبيات ، فإن نكاح الأربع هناك وقع صحيحا بحكم الإسلام على الإطلاق ; لأنه حين تزوجهن كان حرا ، وللحر أن يتزوج أربع نسوة ثم وجب الاعتراض بسبب الرق الحادث فيه ، وعند حدوث الرق هن مجتمعات مستويات ، فلهذا استوى العقد الواحد ، والعقود المتفرقة بمنزلة الرضيعتين إذا أرضعتهما امرأة بانتا منه ، وإن تزوجهما في عقدين ; لأن الاعتراض وجب بعد صحة النكاح بالأختية العارضة فيها ، وهما مستويان في ذلك بخلاف ما تقدم على ما بينا ، والأحاديث التي رويت فقد قال لو تزوج رضيعتين فجاءت امرأة فأرضعتهما : إن تلك كانت قبل نزول الفرائض معناه : قبل نزول حرمة الجمع فوقعت الأنكحة صحيحة مطلقا ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الأربع ; لتجديد العقد عليهن ، أو لما كانت الأنكحة صحيحة في الأصل جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مستثنى من تحريم الجمع ، ألا ترى أنه قال في بعض الروايات : وطلق سائرهن فهذا دليل على أنه لم يحكم بالفرقة بينه وبين ما زاد على الأربع مكحول